حكّة

شعورٌ غريب. يتملكك ولا تستطيع إبعاده. يحسسك بـ... الحكّة. حكّةٌ مزعجة عند الصدر. أنا أعلم أنها ليست حقيقية، فأنا لا أعاني من أي اضظراب جسدي. كلّ ما أعانيه هو بعض المشاعر النفسية. ولكن لماذا أشعر بها جسدياً أيضا!


دائماً ما تُترجم مشاعري النفسية بأحاسيس جسدية، واستعجب من هذا الاتصال المخيف. فمشاعري قادرة على إحساسي بالضيقة، ولو لم أكن فعلاً مُختنق. وتحسسني بالغصة، والالم، والحكة! يالقوةِ عقلنا ودهاءه حينما يريد.


هنا أنكر أن أجسادنا تتألم، وأُؤمن أنه فقط دماغنا، دماغنا يتلاعب بنا ويتحكمُ فينا. بالنسبة لي، كلُّ ما أتخيله هو أن أجسادنا بائسة كالماريونيت، ودماغنا هو بطل اللعبة، هو المحرك.


وفعلاً، العلم يثبت لنا مراراً وتكراراً أن الدماغ هو كل شيء، وقدراته استثنائية. ولذلك أنا شغوفٌ به، وأحبه. نعم، أحب دماغي، ولعلي بذلك أحاول التقرب منه وملاطفته لكي أستفيد من قوته. ولكن لسوء الحظ، هو محيطٌ بكل شيء، يعلم خبثي وكل حِيَلي. 


فهو يفضحني في كل مرة أحاول أن أقنعه بأني لست قلق، ويكشفني في كل مرة أخبره أنني لست حزين. ويضحك عليّ في كل مرة أردد "أنا بخير." ولكن أنا لن أستسلم له.


"سأحاول أن أخدعه، ولكن أحتاجُ لمساعتدكم، فهو قويٌ جداً. تعالوا معي لنصنع حيلةً نطيح بها كل محركاتنا الدكتاتورية، ونتحرر من قبضتها المستبدة. سحقاً، علي الذهاب... إنه كَشف أنني أخططُ عليه!" هذا ماكتبته أول مرة، ولكنني تراجعت قليلاً.


بعد إمعانٍ في التفكير، توصلت أن هذا ليس هدفي الحقيقي. فأنا بصراحة مازلت مبهور من هذا الدماغ وقدراته—بالرغم من أفعاله المستفزة أحياناً—وما أردته حقيقةً من بداية الأمر هو إظهار إعجابي به وبقوته.


هذا الدماغ المجعد بكيميائه المثيرة وخصائصه الفريدة، هو كنز ثمين، كنزٌ إلى الآن لم يتمكن العلماء من إدراكه بشكلٍ كامل. فذاكرته، مثلاً، لم يستوعبها الإنسان بعد؛ فليس هنالك خلية تحتفظ بطعم المنجا، وأخرى بشكل الزرافة. وبالرغم من مقدار نشاط الدماغ المختلف بصعوبة المهمة، إلا أن المسارات التي تسلكها النبضات الكهربية هي الأخرى لم يفهما الإنسان بعد؛ فليس هنالك مسارات مخصصة لتقرير ماذا ستلبس اليوم، وأخرى لفهم النظرية النسبية.


في هذا الدماغ هنالك مايقارب ٨٦ بليون خلية عصبية، ٨٦ بليون خلية من أجلك أنت. هذا الدماغ هو مركز الحواس. فصوت موسيقى بيتهوفن تنتقل عبر موجات صوتية في الهواء لتهزّ طبلة إذنك وتدخل قوقعتك اللولبية لتلامس الشعيرات الدقيقة فتتحول لإشارات كهربية ينقلها العصب السمعي لدماغك، حينها تتحول إلى سمفونية بإيقاعٍ مُحكم وتتراقص خلاياك العصبية فرحاً على أنغامها.


هذا الدماغ الصغير بخلاياه المشتطة يفكر في كل شيء، في شكل الأصابع وسبب احتراق البركان وبداية الكون. وينتقد كل شيء، ينتقد الماركسية وارتفاع أسعار البيض ولوحة الموناليزا. ويتسائل في كل شيء، في تجاذب الذرات وتوسع الكون وحركة الحلزون.


سيخبركم البعض بأن لا تفكروا بكل شيء، وبأن تضعوا حدوداً لتساؤلاتكم. هؤلاء المساكين هم من يشعروني بالحكة أيضاً. دعوا أسئلتكم تعج في هذا الدماغ وتقيم كرنڤالاً قارعاً يمتلئ بالإشارات الكهربية في غابة الاسلاك العصبية المعقدة. هذا الدماغ القادر على إشعاري بالحكة هو أيضاً قادر على إراحتي منها، وإشعاري بالنشوة بعد إقامة مسرحية عبقرية على مسرح دماغي الهائل، وتوصلي لإدراكٍ بسيط استغرق تفكيرٌ مديد.

Join