الطبيب المحجور (١)


تدوينات قصيرة في طولها .. طويلة فيما بين سطورها .. في ظاهرها فرحة وفي باطنها كثيرٌ من احتساب!


صَبراً لَعَلَّ الَّذي بِالبُعدِ أَمرَضَني

 

بِالقُربِ يَوماً يُداويني فَيَشفيني

ابن زيدون

التدوينة (١)

ما قبل كل شيء!

لكي تفهموا تعقيد ما يحدث عليكم أن تعلموا أنّ اللحظة الأولى لدخولي الحجر الصحي هي ربما لغيري لحظة في ذات السوء، لكنّها في حساباتي دهرٌ من الانتظار لحدوثها!

٤ دول .. بل في حقيقة الأمر ٥ دول إن حسبتم عودتي للسعودية، سنتين ونصف من الانتظار، أموال تذهب على هذه التنقلات وأكثر، ٣ تأخيرات وربما كادت أن تكون الرابعة، كل هذا حدث من أجل دخولي هذا الحجر ومن أجل ما سيحدث ما بعد الحجر، للدرجة أن تذكرة سفري مع عائلتي لدولة الابتعاث هذه التي أقضي فيها ساعات حجري الأولي دفعناها من حر مالنا لإن لعنات كورونا طالت الرحلات الجوية ومعها أوامر الإركاب الحكومية وكاد أن يحدث التأخير الرابع لولا لطفه تعالى، ومما يزيد من درامتيكية المشهد أنني اشتريت التذاكر صباح ذات يوم لكي تكون انطلاقتنا من أبوظبي بعد أيام بسيطة من ثم اتفاجأ صباح اليوم التالي بمنع السفر إليها، ولإن المشاكل التي تعترضني اعتدت على حلّها ولن أكون كافكياً من خلال السّماح لها بأن تفترسني- أو كما قال كافكا - فإنني قمت بكل هو متاح لكي تكون الرحلة قبل موعد المنع بسويعات، وقبل الموعد الجديد لرحلتنا ومحاولات بعض من في المطار من منعي من الصعود للرحلة وصلت من اليأس أنني حاولت الغاء التذاكر عن طريق هاتفي المحمول، حماقة النت هي ما منعت من هذا الالغاء ونادراً جداً أشكر حماقة النت لدينا، صعدنا الرحلة بلطف الكريم تعالى ودعاء من ربياني وأناس لم يعلموا حينما استيقظوا في يوم رحلتي بأنهم سيفرجون كربة عبد وبها سيفرج المولى كرباتهم حينما نلقاه.


 نعم .. أكتب لكم من حجري الصحي في مدينة ملبورن الأسترالية، بعد أيام من المكوث في أبوظبي وافتراش على الأرض لساعات في حجر مطار كولمبو في سريلانكا، ها نحن يا ملبورن نلتقي وكنت أظننا كما تقول المستغانمي كالجبال لا نلتقي، أستراليا التي يعلمها البعض بتعقيدات اجراءات السفر لها قبل كورونا، الدخول إليها بعد كورونا - صدقاً وألماً - أصعب من حظوظ اليانصيب، أنا هنا من أجل التخصص الدقيق في الطب النفسي العصبي، ابتعاث حصلت على قبوله في نهايات ٢٠١٨ وها أنا في وسط عام ٢٠٢١، زمن من الانتظار والفيروس والهزائم المكتملة على الأقل في حينها، كنت متعطشاً عند انتهائي من السويد لكثير من اللقيا لأهل المجال النفسي والأصدقاء عند عودتي للسعودية، فكان الفيروس وكان حتى منع الرؤيا والأحضان لأقرب الأقربين قبل أبعدهم، فكانت الخدمة بالمستشفى والتي أجزل فيها كثيراً من الامتنان لكامل القسم وبالأخص للأخ الكبير الدكتور عبدالله القحطاني، هذه البعثة كانت آيلة للسقوط لولا فضل المولى ثم وقفة هذا الرجل، لا مبالغة ولا تزلف في ذلك وكفى بي علمه بذلك وعدم علمه بكتابتي هذه الكلمات عنه، امتنان آخر لمن أعطاني مساحة للعلاج النفسي حينما ضاقت الدنيا منها بل بدأت في التملل من البحث عنها، امتناني هنا أقصد به الصديق د.محمد الغامدي دعوته للعمل في عيادته، امتنان للأصدقاء عبر أثير تويتر أو من التقيت بهم عبره، خيالاتكم عندي مكتملة وحقيقتكم بمن التقيت فيكم كانت أكمل.


وماذا الآن؟ حسناً بعد غلق الباب خلف غرفتنا الصغيرة في الحجر وبعد الاختناق بالجدران المتقاربة وصراخ أطفالي حولي حضر في بالي إجابة لسؤال ماذا الآن، الإجابة هي مقولة كارل يونغ التي جعلها جلال برجس مقدمته في روايته الفائزة بالبوكر وبعدها فازت برفقتي خلال ال٢٧ ساعة الماضية من السفر:

“حتى الحياة السعيدة لا يمكن أن تخلو من قدر من الظلام، وكلمة (سعيد) ستفقد معناها إذا لم تتوازن بالحزن”

تذكار لطيف للطيف الغامدي
السعادة بالمستشفى هم الأطباد المقيمين وأشياء أخرى
سبيكترم القلب
أحد الغنائم من اطالة السفر لأبوظبي، غنائم للأطفال وأضرار جانبية للميزانية
في الباص بالطريق إلى الحجر .. أو الطريق إلى سجن إيلات في بعض الروايات
Join