تدوينة بتأصيل علمي عن وصمة الاضطراب العصبي الوظيفي بعنوان
لكن قبائل شاركوت لا بواكي لهم
اسمها الذي سأستخدمه في هذه التدوينة هو (ماريكا)، ماريكا حضرت إلى قسم التنويم العصبي النفسي الذي أعمل فيه، هي بدون مبالغة جدول متحرك لأحد تلك الجداول التي تجمع أعراض “الاضطراب العصبي الوظيفي” في الكتب الطبية، حتى في تاريخها المرضي ترى عوامل الخطورة لهذا الاضطراب ظاهرة وصارخة في وضوحها، ومن الأشياء الغارقة في وضوحها كذلك هو أنه بالرغم من أنها في الخمسينات وبالرغم من وجود هذه الأعراض من سنين طويلة لكن لم تجد أحد يشرح لها ما تعاني منه بالرغم من أن الشرح في هذا المرض بالذات هو أهم خطوات العلاج، والشيء الآخر الواضح هو تزايد قناعتي بمدى وصمية هذا الاضطراب وربما عدم علمنا بوصميته في مجالنا الطبي بجلّه.
بإختصار .. ما هذا الاضطراب؟
تاريخياً هذا الاضطراب تنقّل بين أمور غريبة في وصفه وهذا التنقّل يعطيك لمحة عن مدى غموضه إلى تاريخ كتابة هذه الكلمات، يكفيك أن تعلم أن بدايات شرحه قبل القرن السادس عشر الميلادي كانت تظن أن هذا الاضطراب ربما مصدره من طلاسم سحرية أو رحم المرأة المتجول في جسدها والذي يسبب هذه الأعراض الغير مفهومة للسيدات، من ثم جاء روبرت بيرتون الإنجليزي في بدايات القرن السابع عشر وبدأ ينظّر على أن هذه الاضطراب هو ضربٌ من ضروب الاكتئاب في كتابه، من ثم توالت الاطروحات وكان أول كتاب صنّف هذا الاضطراب بتصنيف بيولوجي في ذات القرن والذي زعم فيه كاتبه الأسكتلندي أن هذا الاضطراب أبعد من مجرد أنّه رحم امرأة متنقّل في جسدها أو بقايا من دمها أو فقط مجرد أعراض اكتئاب، الهستيريا (كما تتم تسمية هذا الإضطراب) يراها الأسكتلندي أنّها اضطراب له أصول عضوية قد تكون عصبية، إلى أن جاء الفرنسي شاركوت (نابليون الأمراض العصابية كما يُطلق عليه) في آواخر القرن التاسع عشر وكان ربما أول من صنّف هذا الاضطراب كاضطراب يحمل تصنيفاً عصبياً واضحاً في محاضراته في ضواحي باريس، ومن كان في أحد صفوف هذه المحاضرات غير سيغموند فرويد الذي كان هو وصديقه يوزيف بروير مع مريضته “آنّا” -التي تعد أشهر من نالها هذا الاضطراب- هم من أخذوا بشرح هذا الاضطراب شرقاً وغرباً حول حوم ما نحوم حوله الآن أو أبعد ولعل كتاب بروير هو الأول عن هذا الاضطراب لوحده.
وما زلنا نبحث عن أسباب هذا الاضطراب لكي نمسكها في أيدينا لكننا لم وربما لن نقدر، لكن بالفعل .. ما هو هذا الاضطراب؟
لإن هذه التدوينة للأطباء بعمومهم والعاملين بالمجال العصبي والنفسي بالذات ترددت في شرح هذا الاضطراب لإننا من المفروغ منه علمنا به، لكن سبب هذه التدوينة كلها هو جهلنا الكبير عنه لذلك سأكتب تعريفاً مختصراً، الاضطراب العصبي الوظيفي أو ما يسمى اضطراب التحويل (واختلاف المسميات هنا يعطيك لمحة عن اتفاق المجتمع الطبي على عدم اتفاقنا على فهمه) هو الأعراض العضوية (وفي الأغلب عصبية) التي تظهر على المرضى بدون تفسير عضوي واضح، هو عندما تكون الأعضاء كلها سليمة بشكل تشريحي وعضوي وتحت أدوات فحوصاتنا الطبية لكن ما زال في الوظيفة خلل, أعراض ممكن أن تكون جسيمة مثل العمى أو الشلل أو الصرع أو الألم الجسدي إلى مجرد ضعف في عضلة أو تنميل، هو عندما تكون الأجهزة سليمة لكن ربما لسبب خفي التوصيلات بينها في اضطراب.
ولماذا هذا الموضوع؟
هذا الموضوع لإن هذا الاضطراب بإختصار هو اليتيم في مجالنا الطبي، هو من لا يدّعي أحداً وصاله من الأطباء والباحثين في سنين طويلة، ماريكا عبر السنين يكتبون في تقريرها وفي تحويلاتهم أنه ربما تكون أعراضها بسبب هذا الاضطراب، لكن لا يوجد أحد تكفّل بشرح الاضطراب لها أو وضع خطة علاجية لها حسب الأدلة والبراهين المتاحة في عصرنا الحالي.
هم هكذا المرضى بهذا الاضطراب شاهدتهم بعيني عبر السنين، يتنقلون بين العيادات والمستشفيات، من تحويل لآخر وعندما يصلون إلى الطبيب النفسي أو العصبي حينها لا تعلم هل بالفعل مرّوا على من شعر أنّه بالفعل قام بكل شيء من أجل معرفة علّتهم، حتى هذا السؤال الأخير منّي هو سؤال واقعي أم أنه معول آخر من عدم إيماننا في حقيقة هذا التشخيص عليهم وأنّه ليس تشخيص آخر (عضوي حقيقي) يفسّر أعراضهم وكأنه في الغير موعي منّا عدم تصديق بواقعية تشخيصهم الوظيفي.
تشعر أنّ الطب مع هذا الاضطراب كالذي فقد بوصلته الأولى، أليس الطب هو أن نرى علّة ونبحث عن سببها بعيداً عن أي توصيات تقيّد فحوصاتنا وتجعلنا نستسلم ونقول أن هذا المرض هو شيء فقط وظيفي، وكأنّ أفراد قبيلة شاركوت من هؤلاء المرضى فقدوا هذه العقلية الطبية من البحث والبحث عن العلّة.
وما هي وصميّته؟
الوصمة في المجال الطبي ضد المرضى المصابين بالاضطرابات العصبية الوظيفية معروفة ونالها البحث، هذه الوصمة تؤخّر تشخيص المرضى وتقلّل من سبل المساعدة في علاجهم بل حتى في التناول البحثي عن اضطرابهم، عندما يكون أمامك اضطراب غير مفهوم وذو تطور مرضي بالعادة غير جيد وبزيارات عديدة وتنويمات متكررة وفيه تقاطعات كثيرة مع الاضطرابات النفسية وتقاطعات في ظنّ الأطباء من أنّ هؤلاء المرضى ربما يلعبون دور المريض ويخدعون أطبائهم حينها من الطبيعي وجود هذا التوصيم ضدهم، ينالهم هؤلاء المرضى الشك الصادر من العاملين الصحيين قبل أهاليهم وأنفسهم، حتى أنّ هؤلاء المرضى لا يوجد بالفعل من يريد تلقّف رعايتهم، هم الضائعون بين الطب العصبي والطب النفسي،
على سبيل المثال في أحد الاستبيانات على العاملين الصحيين وجدوا أنّ هؤلاء العاملين يؤمنون بأنّ مرضى الصرع العصبي الوظيفي هم أقدر على التحكّم بصرعهم من بقية مرضى الصرع.
حتى ذات المصطلح المستخدم لوصف اضطراب الصرع الوظيفي في أغلب المراجع العصبية والنفسية تستخدم كلمة (Psychogenic)أو الذهاني في مسمى هذا الاضطراب وحسب دراسة أقيمت على أعضاء أحد الجمعيات الدولية لأطباء الأعصاب كانت كلمة الذهاني هي المفضلة بالرغم من النقاش الذي لم يتوقف عن مدى صحتها الدلالية والتي تعكس حقيقة هذا الاضطراب. (وبالمناسبة ما زالت بعض المراجع تستخدم مصطلح الصرع الكاذب)
في أحد الدراسات وجدوا أن ٨٥٪ من أطباء المراكز الصحية وأطباء الطوارئ يفضلون استخدام مصطلح الصرع الكاذب و ٣٨٪ يظنون أن هذا الصرع من الممكن التحكم به أو تمثيلي بشكل مخادع.
٢٩٪ من أعضاء أحد الجمعيات العصبية بالاضطرابات الحركية لا يفضلّون معاينة مرضى مصابين بالاضطرابات العصبية الوظيفية الحركية في أحد الدراسات.
في أحد المواقع المعروفة للأطباء في أمريكا والتي تعتبر مكان للتواصل الاجتماعي بينهم يتم تم طرح مواضيع مختلفة ومنها هذا الموضوع عن أن قصة طبيب تظاهر بالصرع من أجل أنّ يتخلص من مريضة تتظاهر بالصرع لإنها مصابة بالصرع الكاذب، هذا المستوى من الطرح يكفي ليحدثكم عن مدى وصمية هذا الاضطراب.
في أحد الدراسات ٣٥٪ من الأطباء العامة لا يتفقون مع تشخيص الاضطراب العصبي الوظيفي الخاص بالصرع و٦٥٪ لا يشجعون التدخلات النفسية له!
دراسة أخرى تناولت مرضى الصرع العصبي ووجدت أنهم يرون العاملين الصحيين كمشجعين لهم ومصدر معلوماتي جيد ومحل ثقة، لكن مرضى الاضطراب العصبي الوظيفي الخاص بالصرع لا يرون ذلك بل يصفون العاملين الصحيين بعديمي الاحترام وقليلي الثقة والغير متفهمين!
بطبيعة الحال المرضى المصابين بنوع من أنواع هذه الاضطرابات لابد أن ينالهم هذا الشعور من الدونية والشك، قرابة ٨٢٪ من المرضى شعروا بعدم التصديق وعدم الاحترام عند زيارتهم لمراكز الخدمات الصحية خصوصاً من أطباء الأعصاب والممرضين وعاملي قسم الطوارئ، بل حتى من أهلهم وأصدقائهم (شاهدوا الرسمات البيانية بالأسفل من موقع المنظمة التي قامت بالاستبيان).