التغير المناخي، تغريدات لم تُنشر

تحتمي الحقيقة خلف جدار سميك وسدّ منيع، في شكل تيّار سياسي لبعض الأحيان، لتمنو وتكبر حتى تصل إلى مرحلة الرشد. تتأصل الحقيقة في نفسها وتتشبع من البراهين التي تجد منها هويتها وحقيقتها. فتضل الحقيقة هي نفسها مهما حاولنا تحويرها والتشكيك فيها وتكذيبها. نستطيع بطبيعة الحال رمي هذا الجدار اذا اردنا. نستطيع هدمه اذا دعا الأمر لذلك، بيد أننا لا نستطيع مطلقًا أسرّ هذه الحقيقة اليانعة التي شاءت لها الظروف أن تتخذ جدارًا من الجدران مسكنًا مؤقتًا لها. وحينما تكبر وتصل إلى درجة من الرشد، تخرج هذه الحقيقة من مسكنها إلى الفضاء عارية.

الحقيقة

مهمة العيش بسلام هي من المهام التي يُكتب عليها الفشل بمجرد التفكير فيها. مهمة خائبة الرجاء منذ البدء حتى النهاية. بالرغم من توصلي إلى هذه القناعة منذ وقت طويل، إلا انني احاول جاهدًا مع كل يوم جديد خوض غمارها. كيف لنا العيش بسلام في حين اننا نرفض تصديق حقائق تُشكل أوجه كثيرة في شتى بقاع العالم. كيف لنا العيش بسلام ونحن تنقاذف بالحجارة لهدم الجدران التي نبينها كل يوم بأيدينا وننسب الحقائق التي قُدر لها الاحتماء خلف هذه الجدران إلى الجدران نفسها. هذه الصورة هي نتاج غياب موضوعية النقاش. الموضوعية هي المرساة التي تمنعنا من أن نبحر في رسم خيالات عن الحقائق.

الحقائق عنيدة. من الأسهل التفاهم مع الإحصاءات.


مارك توين

كما هي حقيقة التغير في المناخ، نراها واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء. لم أكنّ في صدد الكتابة عن حقيقة التغير المناخي، فهي حقيقة عاريّة من الشوائب مسلمة لدى المجتمع العلمي بكافة أطيافه. وفي الوقت نفسه، لم يخطر ببالي مطلقًا بأن هنالك من الأصحاء عقليًا من ينسب هذه الحقيقة إلى بعض التيارات السياسية. لذلك، لا ضير في العودة إلى الأساسيات ونستعرض بعض الأرقام والدلائل التي أوصلت حقيقة التغير المناخي إلى سن رشدها. لم أشأ كتابة التغريدات في تويتر ردًا على احدهم خوفًا من الجهل والغضب والجدال والمراء والجهل مرة أخرى. لذلك، قررت نشرها هنا، في هذه المساحة المتواضعة. 

التغريدات

للتغير المناخي براهين نستطيع رؤيتها اليوم. مثل الارتفاع في درجات الحرارة عالميًا. يعود هذا الارتفاع الغير معهود في درجات الحرارة عالميَا إلى الارتفاع في معدل ثاني اكسيد الكربون الناتج بسبب الأنشطة التي يقوم بها الإنسان وحدة. حيث وصلت درجة الارتفاع إلى 0.9 درجة حرارة مئوية منذ القرن الماضي. العقد المنصرم كان أكثر عقد دفئًا منذ أن بدء الإنسان في تسجيل درجات الحرارة. في سنة ٢٠١٦ وحدها سجلت الأرقام ٨ أشهر (يناير إلى سبتمبر) من السنة أعلى سلسلة ارتفاع في درجات الحرارة. وشهر يناير المنصرم كان الأكثر دفئًا على الإطلاق. 


كما ميل المحيطات تدريجيًا إلى الدفئ احد البراهين الظاهرة على أجهزة الرصد. حيث تمتص المحيطات ارتفاع درجات الحرارة في عمق ال٧٠٠ متر الأولى. ومنذ ١٩٦٩ ارتفعت بمقدار 0.4 درجة فهرنهايت.


وهنالك تقلص صفائح الجليد الذي تعاني منه دول وقارات. تعرضت كتل صفائح الجليد في قريين-لاند والقطب الجنوبي إلى التقلص كما أفادت البيانات القادمة من القمر الصناعي لتغطية حقل الجاذبية واختبار المناخ التابع لوكالة ناسا. حيث خسرت قرين-لاند ما متوسطه ٢٨٦ بليون طنّ من الجليد سنويًا بين سنة ١٩٩٣ وسنة ٢٠١٦. وفي الفترة نفسها، خسر القطب الجنوبي ما متوسطه ١٢٧ بليون طنّ من الجليد. يذكر أن الخسارة مازالت بالارتفاع. 


واحد تبعات هذا التقلص هو الانحسار الجليدي. المسطحات الجليدية في جميع أبقاع الأرض تقريبًا في عملية انحسار مستمرة، حتى على مستوى جبال مثل الهمالايا والروكيز والألب. 


والعلامة الفارقة التي تشهدها الأقمار الصناعية هو الانخفاض في تغطية الثلوج. حيث رصدت تراجع في كميات الثلوج في النصف الشمالي للأرض. كما لاحظت البيانات القادمة من هذه الأقمار أن الثلج يذوب في فترات أبكر من المعهود عليه.


ولا حديث عن براهين التغير المناخي دون الحديث عن الارتفاع في منسوب البحار الذي يجبر دول مثل دولة المالديف على شراء أراضي من دولٍ مجاورة لها. وفي حول العالم ارتفعت البحار بما يقارب العشرين سانتيميتر خلال القرن الماضي. العجيب في الأمر أن الرقم ارتفع وبشكل طفيف خلال العقدين الماضيين فقط، وفي ارتفاع مستمر في كل سنة.


المقلق في التغير المناخي ليس التغير بحد ذاته، وانما أسباب هذا التغير. جميع هذه الكوارث التي تحدث يعود سببها إلى الأنشطة والجرائم التي ترتكبها الإنسانية بحق الطبيعة. وهنا يجب أن نقف وقفة الباحث عن الحقيقة ونتجرد من أيّ هوية سياسية تمثلنا. لنرى هذه الحقائق دون أي غشاوة، نراها عارية كما ينبغي لها أنّ تُرى. فجميعنا نقف في الموقف نفسه تجاه الطبيعة وتجاه مستقبل البشرية. 


أنا طلال ناصر،مُهندس برمجيات أهتم بالبيئة وعلوم الإنسان والإجتماع، اصدقائي المفضلين لي لديهم أربعة أرجل. أحب الكتابة ولي محاولات متواضعة معها. هنا هي المساحة التي سأنشر فيها تلك المحاولات المتواضعة.


أسعد بالتواصل معك عن طريق البريد الإلكتوني: talal.nks@gmail.com لكل ما يتعلق بالبيئة أو هندسة البرمجيات.


المصادر: 

  1. IPCC Fifth Assessment Report, Summary for Policymakers

    B.D. Santer et.al., “A search for human influences on the thermal structure of the atmosphere,” Nature vol 382, 4 July 1996, 39-46

    Gabriele C. Hegerl, “Detecting Greenhouse-Gas-Induced Climate Change with an Optimal Fingerprint Method,” Journal of Climate, v. 9, October 1996, 2281-2306

    V. Ramaswamy et.al., “Anthropogenic and Natural Influences in the Evolution of Lower Stratospheric Cooling,” Science 311 (24 February 2006), 1138-1141

    B.D. Santer et.al., “Contributions of Anthropogenic and Natural Forcing to Recent Tropopause Height Changes,” Science vol. 301 (25 July 2003), 479-483.

  2. In the 1860s, physicist John Tyndall recognized the Earth's natural greenhouse effect and suggested that slight changes in the atmospheric composition could bring about climatic variations. In 1896, a seminal paper by Swedish scientist Svante Arrhenius first predicted that changes in the levels of carbon dioxide in the atmosphere could substantially alter the surface temperature through the greenhouse effect.

  3. National Research Council (NRC), 2006. Surface Temperature Reconstructions For the Last 2,000 Years. National Academy Press, Washington, D.C.

    http://earthobservatory.nasa.gov/Features/GlobalWarming/page3.php

  4. https://www.ncdc.noaa.gov/monitoring-references/faq/indicators.php

    http://www.cru.uea.ac.uk/cru/data/temperature

    http://data.giss.nasa.gov/gistemp

  5. https://www.giss.nasa.gov/research/news/20170118/

  6. Levitus, S.; Antonov, J.; Boyer, T.; Baranova, O.; Garcia, H.; Locarnini, R.; Mishonov, A.; Reagan, J.; Seidov, D.; Yarosh, E.; Zweng, M. (2017). NCEI ocean heat content, temperature anomalies, salinity anomalies, thermosteric sea level anomalies, halosteric sea level anomalies, and total steric sea level anomalies from 1955 to present calculated from in situ oceanographic subsurface profile data (NCEI Accession 0164586). Version 4.4. NOAA National Centers for Environmental Information. Dataset. doi:10.7289/V53F4MVP

  7. https://www.jpl.nasa.gov/news/news.php?feature=7159

  8. National Snow and Ice Data Center

    World Glacier Monitoring Service

  9. National Snow and Ice Data Center

    Robinson, D. A., D. K. Hall, and T. L. Mote. 2014. MEaSUREs Northern Hemisphere Terrestrial Snow Cover Extent Daily 25km EASE-Grid 2.0, Version 1. [Indicate subset used]. Boulder, Colorado USA. NASA National Snow and Ice Data Center Distributed Active Archive Center. doi: https://doi.org/10.5067/MEASURES/CRYOSPHERE/nsidc-0530.001. [Accessed 9/21/18].

    http://nsidc.org/cryosphere/sotc/snow_extent.html

    Rutgers University Global Snow Lab, Data History Accessed September 21, 2018.

  10. R. S. Nerem, B. D. Beckley, J. T. Fasullo, B. D. Hamlington, D. Masters and G. T. Mitchum. Climate-change–driven accelerated sea-level rise detected in the altimeter era. PNAS, 2018 DOI: 10.1073/pnas.1717312115

Join