ثلاث خطوات لإنقاذ الكوكب

الكوكب يشتعل، وأنت الشخص الوحيد القادر على انقاذه!

فترة عصيبة تمرُّ فيها أُستراليا الآن. تشتعل الأرض في صيفها الحارق وألسنة النيران تلتهم كل ما ينبض بالحياة. حرائق الغابات التي عانت منها، ومازالت تعاني، الغابات المطرية في الأمازون، هي الأخرى الغابات في أستراليا تغلي جرّاء نفس الأسباب. السماء تَعجُ بأدخنة ناتجة عن حرائق مستمرة ومتواصلة، والتقويم لا يُشير إلا لأشهر عديدة متبقية من الصيف. الأرض تحولت إلى جحيم يُرهب القانطين في الريف الأسترالي من بشر وحيوانات. تراها تتساقط يمنة ويسرة على الطرقات بعد أن أحاطتها النيران من كل جانب وأرهقها استنشاق السموم، فسلّمت نفسها إلى الهلاك. كل ذلك يحدث تحت مرأى أعين أجهزة الأمن والسلامة والدفاع المدني الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة هذه الكارثة.



هي بكل تأكيد ليست أحد الحوادث الطبيعية المسلمة بها والتي تحدث بين الفنية والأخرى، وانما تحدث بسبب تدخل الإنسان المباشر وتلاعبه في المنظومة البيئية. ففي تقرير أعدهُ مجلس ظاهرة التغير المناخي الأسترالي المعنون بعنوان صارخ: This is Not Normal في شهر نوفمبر المنصرم، يوجّه فيه الحكومة الأسترالية وبشكلِ عاجلِ التوقف عن استخدام وحرق أي منتج من منتجات الوقود الأحفوري مثل الزيت والغاز والفحم فورًا. ويوجه كذلك بسرعة اخلاء المناطق المأهولة بالسكان الواقعة بالقرب من مواقع النيران المحتملة آن ذاك. بيد أن هذه المطالبات لم تكن وليدة اليوم، وانما طالب بها المجلس طوال العشرين سنة الماضية!

التغيير الحقيقي يَحدُث من الأسفل إلى الأعلى. يَحدُث بين الأشخاص ودائمًا ما يُولد  من المجموعات الصغيرة، ويكُبر حتى يصل إلى أكبر مستويات قوى التغيير

بول هوكين

في حين تُقدِم حكومات العالم مصالحها الشخصية والحزبية على مصلحة وسلامة وصحة الكوكب الذي يجمعنا جميعًا، يخيب فينا نحن سكان هذه المعمورة الرجاء والأمل فيهم. المهمة أصبحت على عاتقنا نحن الأفراد. مهمة الوقوف أمام أعتى التحديات التي تواجه مصيرنا المُشترك. ولطالما هنالك الفرصة، ولو كانت بالضئيلة، بمحاربة هذه المخاطر، يجب علينا أن لا نتوقف في المحاولة والمحاربة لدحضها. لطالما مثلّوا الأفراد والأقليات العملة الفارقة والعنصر الأساسي لإحداث الفارق. ودورة حياة التغيير كما يصف الناشط في مجال البيئة بول هاوكن تبدأ منك انت.


فيك أنت تكمن القوة القادرة على تخليص هذا الكوكب من عنائهِ ورسم خارطة طريق جديدة تستطيع من خلالها حفظ هذه الأرض وخيراتها إلى الأجيال القادمة. هنا في هذه التدوينة سنذكر ثلاثة طرق تستطيع القيام بها هذه اللحظة وبكل سهولة للتقليل من بصمتك الكربونية ولتبدأ في مهمة الدفاع عن الأرض وانقاذها.


لا تتنقل وحيدًا

لك أن تتخيل أن هنالك أكثر من ١٦ مليون مركبة مسجلة رسميًا في السعودية تستمعل الوقود الأحفوري كمصدر الطاقة الرئيسي أو الثانوي لها. ولك ان تتخيل أيضًا ان كل مركبة من هذه المركبات تنتج في المتوسط ما لا يقل عن ٤.٦ طنّ متري من الكربون سنويًا. هذه المعطيات لا ترسم إلا لوحة تعيسة تكتسي بلون رمادي باهتٍ كئيب تُصورُ حال مُدنٍ تعيش في ظلام دامس وتغرق تحت ركام من ادخنة تتصاعد من هذه المركبات. التلوث ليس تلوثًا بصريًا فقط، بل تم تصنيف ثلاثة مُدن سعودية، الرياض وجدة وينبع، ضمن أكثر المدن تلوثًا في الهواء في العالم في وقت سابق. هذا لم يحدث إلا بسبب اعتماد الغالبية العظمى من المجتمع على وسيلة التنقل نفسها.


حتى تساهم في رسم لوحة أجمل لمستقبل مُشرق، جربّ مشاركة مشوار العمل أو الجامعة مع أحد الزملاء أو استخدام تطبيقات مشاركة المشاوير مثل كريم أو أوبر لتحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن هذه المركبات. وفي ظل ارتفاع أسعار الوقود، قد تجد نفسك في نهاية المطاف محافظًا على البيئة وادخرت كذلك من مصاريف تنقلاتك اليومية. 

استحم أقل

يُتوقع أن تندلع الحرب العالمية الثالثة بسبب شحّ في الموارد الطبيعية، وبالأخص الماء. الطبيعة الجغرافية المتنوعة لمنطقتنا تفتقر إلى مصادر متنوعة من المياه. حيث لا توجد في شبه الجزيرة العربية أي نهر او بحيرة. نعتمد بشكل كبير على تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للإستخدام الآدمي. بالرغم من تَمكننا من تنقيات تحلية مياه البحر، إلا أنها تُعد من أبهظ الطرق التي عرفتها الحضارة الإنسانية للحصول على المياه الصالحة للإستهلاك الآدمي. ومازال أمامنا وقت وطيل حتى نصل إلى تقنيات أقلَّ تكلفة.


عندما تُقلل من عدد المرات التي تستحم فيها —أو على الأقل مدة كل استحمام — فأنت بذلك تُقلل الحاجة إلى الطاقة المطلوبة لضخ المياه. هذا بدورهِ سيقلل من الانبعاثات الكربونية. كما تستطيع الحفاظ على أكثر من 7405 لتر من الماء سنويًا اذا قللت من طبيعة استحمامك. محافظتك على المياه هي بالضرورة خطوة مباشرة في مهمتك لمحاربة التغير المانخي.

تحدثّ!

المسألة هي مسألة حياة أو موت. المسألة تَمسُكَّ أنت في المقام الأول ولا احدَ سواك. هذه المخاطر إن لم تعش مآسيها اليوم فماهي إلا اشارة على بارقة أمل ومتسع من الوقت حتى تبدأ النزال ومحاربة كل ما يمسّ هذه الأرض من شرور. وأعظم ما تستطيع القيام به هذه اللحظة هو نشر كل ما تعرفه عن قضايا البيئة بين أفراد عائلتك واصحابك وزملاء عملك. فالأرقام تشير إلى أن المواطن السعودي والمقيم فيها هم أكثر الأشخاص في العالم تصديرًا للكربون. حيث يُنتج الفرد السعودي ما يقارب ال١٦.٣ طنّ متري من الكربون سنويًا. هذا يعني أننا نتصدر شعوب العالم أجمع في بثّ وتصدير الكربون. هذا الرقم لا يدُلّ إلا على الوعي الغائب تمامًا في أرجاء المحيطين العام والخاص على المستوين الاجتماعي والمهني لدينا في المنطقة. بالإضافة إلا أنهُ مؤشر حقيقي لعدم ادراكُنا للكارثة والمصيبة المحيطة بنا من كل جانب. نشر ورفع من منسوب الوعي هي مهمة لا تقل اهمية، بل انها اكثر المهام أهمية في هذه القائمة. إبدأ اليوم بالتَثَقُف عن المشاكل البيئية في محيطك وانشرها مع كل مِن مَن تعرف. تذكر دائمًا بأن الكوكب يشتعل وأنت الشخص الوحيد القادر على انقاذه.


أنا طلال ناصر،مُهندس برمجيات أهتم بعلم الإنسان والإجتماع، اصدقائي المفضلين لي لديهم أربعة أرجل. أحب الكتابة ولي محاولات متواضعة معها. هنا هي المساحة التي سأنشر فيها تلك المحاولات المتواضعة.



Join