بين الحدث والشعور

تحرير الاخصائية النفسية: فاطمة سالم

يوجد فاصل صغير بين الحدث الخارجي وبين شعوك حيال هذا الحدث ، يكمن في هذا الفاصل تفسيرك للحدث بما يُضفي عليه معنً بالنسبة لك.

فحين تحصل على ترقية في وظيفتك قد تشعر بالسرور لانك ترى أنك ستحصل على راتبٍ أكثر ، بينما يشعر شخص آخر حصل على ترقية بالكثير من القلق لأنه يرى أن في ذلك مسؤولية قد لا يستطيع تحملها .

بالرغم من أن الحدث في الحالتين متشابه إلا أن النتيجة كانت مشاعر مختلفه وهذا لأن التفسير كان مختلفاً ولذلك إذا أردنا تغيير ما نشعر به فإن علينا تغيير الطريقة التي نفكر بها .

 

تخيل أنك تمشي في حديقة عامة ورأيت صديقك هناك ، ذهبت في اتجاهه فإذا به يمشي مسرعاً مبتعداً عنك ما الشعور الذي تشعر به الآن؟

إن شعورك في هذا الموقف يعتمد على تفسيرك له فيمكن أن تشعر بالغضب إذا فكرت أنه تجاهلك متعمداً ، وقد تشعر انه امر عادي اذا اعتقدت أنه لم ينتبه عليك.

وهذا لا يعني أن كل المعاناة هي وهم من صناعة العقل البشري بل يعني أن بإمكاننا التخفيف من حدتها بالتحكم في أفكارنا فتأثير الأحداث السلبية قد يتفاقم بسبب الأفكار والمعتقدات السلبية ، ولأن الكثير مما يحدث في العالم الخارجي يبدو خارجاً عن سيطرتنا فنحن لانستطيع التحكم في الأحداث المفاجئة أو منع الأمور الكارثية أو رسمَ خطةٍ سهلةٍ للحياة إلا أن بوسعنا فعل الكثير تجاه تفكيرنا وكما يرى فيكتور فرانكل "أن كل شيء يمكن أن يسلب من الإنسان إلا حريته في اختيار طريقته في التفكير في الأحداث من حوله"

 

تستثير الأحداث أفكارنا وتؤدي الأفكار إلى مشاعر وانفعالات إلا أن الأمر لاينتهي هنا فالمشاعر تصبح حدثاً يقود لفكرة جديدة ففي المثال السابق يمثل الشعور بالقلق حول المسؤولية حدثاً وهذا الحدث يقود بدوره لفكرة ما ، على سبيل المثال (أنا أشعر بالقلق اذاً أنا ضعيف ولا أجيد شيئًا) وهكذا تستمر هذه الحلقة المسماه بحلقة التغذية الراجعة والتي نرى فيها التأثير المتبادل بين الأفكار والمشاعر الذي يحدث خلال حديث الإنسان الدائم مع ذاته

 

يُلازمك الحديث الداخلي في كل وقت فأنت دائماً ما تفسر العالم لنفسك معطياً لكل خبرة اسماً ، ومُصدِراً أحكامك حول الأحداث والأشياء وهذا أحد الأسباب المشيرة لأهمية الأفكار وأثرها على حياتك ولذلك فإن معرفة النمط السائد على طريقتك في التفكير والمحتوى الذي تحمله الأفكار ومن ثم تقويمه وتعديله يسهم بشكل واضح في تحسن مشاعرك وانضباط سلوكياتك.

فالتفكير الكارثي هو النمط الأكثر تكراراً لدى الأشخاص القلقين فتجدهم يبالغون في توقع أسوأ النتائج ودائماً ما يلجؤون للحذر والتخلي عن الكثير من أهدافهم لما يحيط بها من تحديات ، أما الأشخاص المكتئبون فيبرز لديهم لوم الذات واحتقارها وتعداد الخسارات والإخفاقات والنظرة السوداوية للماضي والحاضر والمستقبل .

يمكننا التنقيب عن أفكارنا خلف مشاعرنا

بالإمكان تحديد نمط الأفكار وفحواها من خلال مراقبتها ، فالشعور هو إنذار يشير لوجود فكرة وبالتالي يمكننا التنقيب عن أفكارنا خلف مشاعرنا

يأتي بعد ذلك التساؤول حول مصداقيتها ودورها في حياتك وجدوى الإحتفاظ بها أو أفضلية التخلص منها .

خلال انتباهك لأفكارك ستجد أن بعضاً منها يتكرر كنمط ثابت وبعضها الآخر قوي وراسخ في معتقداتك وكلاهما سيكون ذا أثر كبير على انفعالاتك يمكنك اختيار فكرة مؤرقة والبدء في تحليلها من خلال الخطوات التالية:

١-تحديد الأدلة التي تدعم صدق فكرتك.

٢-تحديد الأدلة التي تعارض صدق فكرتك.

٣-قم بمراجعة الأدلة التي جمعتها ثم اكتب ملخصاً متوازناً وموضوعياً حولها.

٤-اكتب فكرةً بديلة واحتفظ بها لتتذكرها حين تظهر الفكرة المؤرقة.

 

خذ في اعتبارك أن الأفكار ليست حقائق مطلقة وأنها قابلة للتغيير وأسأل نفسك هل يفيدك الاعتقاد بفكرة ما ويساهم في تحسنك أم أنه يسبب لك المعاناة ، في حال كانت أفكارك تجعل من حياتك أصعب تخيل صديقاً في نفس موقفك يطلبك النصحية فماذا ستقول له؟

واعلم أنك تملك النصيب الأكبر في إعطاء الأحداث قيمتها ومعناها وطريقة تأثيرها عليك.

 

 

المراجع:

د.ماثيو ماكاي د.مارثا ديفيز د.باتريك فاتينج (2012) الأفكار والمشاعر ترجمة د. سليمان الغديان -مكتبة الكندل العربية

Join