أخلاقيات عمل الاستشاري

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

سورة المائدة

ذكر الله تعالى في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهي التي بين الخالق والمخلوق من العبادات وبين المخلوق والمخلوق من المعاملات من بيع وإيجار وغيره وقال الشيخ عبالعزيز بن باز رحمه الله “الآية عامة تعم جميع العقود التي أباح الله وشرع لعباده أن يوفوا بها”.

ومن هذه العقود العقود الاستشارية التنظيمية بكل أنواعها ومن قواعد الايفاء بها هو اتمامها بكل أمانه وأن يكون هنالك إطار وقواعد اخلاقية تضبطها، ولكن هل توجد معايير وممارسات أخلاقية تضبط المجال الاستشاري ؟ وهل يمكن تطبيق الأخلاقيات المجتمعية على العمل الاستشاري؟


سأل عالم الاجتماع ريموند بومهارت مجموعة من رجال الأعمال، "ماذا تعني لكم الأخلاق؟" وكان من بين ردودهم ما يلي:


  • "الأخلاق لها علاقة بما تخبرني مشاعري أنه صواب أو خطأ."

  • "الأخلاق لها علاقة بمعتقداتي الدينية."

  • "أن تكون أخلاقيًا هو فعل ما يتطلب القانون".

  • "تتكون الأخلاق من معايير السلوك التي يقبلها مجتمعنا".

حسناً في حال سلمنا بأن هذه الأجوبة صحيحة، قد يكون من الصعب دائماً تطبيقها على عمل المستشار حيث إنه لا يشترط أن ما تخبره به مشاعره أخلاقياً، وقد لا تتقاطع معتقداته الدينية مع ممارسات عمله ، وكذلك القانون أيضاً قد لا يشمل ويضبط المجال بشكل كامل وأخيراً أن تكون الأعراف المجتمعية هي ضابط الأخلاق؟ لا يمكن التسليم بذلك لإمكانية وجود مجتمعات فاسدة أخلاقياً أعرافها تتناقض مع ما هو صواب فعله.

ولكن من خلال تلك الإجابات نستطيع أن نستنبط قاعدة مشتركة لأخلاقيات العمل الاستشاري وهي أن يستند إلى معايير راسخة للصواب والخطأ تحدد ما يجب على الاستشاري فعله عادةً من حيث (الحقوق - الالتزامات - الفوائد - الإنصاف – الفضائل) المحددة التي ينفذ بها عملة وتوجه كيف يجب أن يتصرف.

ومن باب أن بالمثال يتضح المقال سأحاول هنا أن أشرح من وجهة نظري بعض أخلاقيات عمل الاستشاري مع الربط بمثال عمل الطبيب لتشابه عمله مع الطبيب في عدة أوجه أخلاقية كالآتي:


أولاً: الحاجة

عندما تشعر بأعراض مرضية وتذهب للطبيب ويقول "ما فيك إلا العافية" وفعلاً ماهي إلا ساعات أو أيام وتزول تلك الأعراض وتكتشف حقيقةً أنه (ما فيك إلا العافية)

 

في أخلاقيات عمل الاستشاري يجب عليه أن يتعلم قول هذه العبارة لعملاءه متى ما وجد أنه ليس لديهم مشكله أو انها مشكلة يمكنهم حلها بأنفسهم دون الحاجه إليه.



ثانياً: عدم الاختصاص

مثالاً في الطب النفسي عُرف أن أول خطوات التشخيص أن يفرق الطبيب ما إذا كانت المشكلة لدى المريض نفسية أو عضوية وإذا كانت عضوية يحوله للطبيب المختص بها كي لا يضيع وقت المريض في رحله علاجيه خاطئة تكلفه صحته وماله.

 

في أخلاقيات عمل الاستشاري يجب عليه التوضيح أن المشكلة ليست من اختصاصه وعدم إدعاء الاختصاص أو محاولة تحوير المشكله لتكون من اختصاصه أو يكون اختصاصه جزء من حلها.

ثالثاً: التشخيص

عرف في الطب أن التشخيص يكون باكتمال عدة أعراض يمكن من خلالها أن نقول إنك مريض وتحتاج هذا النوع من العلاج وقد يضطر الطبيب أحيانا في حال عدم وضوح الأعراض أن يقوم بطلب تحليل أو أشعة وما إلى ذلك حتى تكتمل الصورة لديه.

 

في أخلاقيات عمل الاستشاري يجب الاكتفاء بالحد اللازم للتشخيص الصحيح الذي يمكن العمل على أساسه دون تكثيف التشخيص والدراسات التحليلية الغير ضرورية حيث إعتاد البعض على كملة (تحليل الوضع الراهن) وهي رحلة طويله من التشخيص وتحليل جميع أعمال المنظمة لكسب أكبر قدر من الأعمال.

رابعاً: وصف الدواء

كثيراً منا قد أصيب بالتهاب اللوزتين ولكن هل الجميع قام باستئصالها، وكذلك تسوس الأسنان هل حلها الوحيد هو اقتلاعها؟ غالباً هنالك حلول تسبق الحل النهائي والأخير وذلك من مهام الطبيب أن يحاول اختيار الأنسب لمرضاه.

 

في أخلاقيات عمل الاستشاري يجب عليه تصميم الحل المناسب للمنظمة وأن يقترح ما يحتاجه عميله فعلاً وليس ما يعتقد العميل أنه يريده وعدم تحميله حلول طويلة ومكلفة تضمن بقاء الاستشاري طويلاً من أجل الحصول قدر أكبر من المال.

Join