يوم.. فشهر.. فسنة..
فرداً أم جماعة؟!
عدد أيام الأسبوع سبعة أيام.. أولها يمر ذهاباً و عوداً إلى مدرسة أو جامعة أو عمل.. ثم لا تلبث أن تأتي نهاية الأسبوع و نستقبلها فرحين مستبشرين.. لكن ما تلبث أن تنتهي بين زيارات رسمية و واجبات اجتماعية.. تنتهي مجدداً و نحن لازلنا نحتاج لمزيد من الراحة لنستقبل أسبوع طويل ينتظرنا.. و تتوالى الشهور و تمضي السنين إلى أن تأتي لحظة إدراك.. أين أنا من كل هذا؟! ماذا حققت؟! ماذا صنعت؟! هل أعطيت نفسي حقها؟! هل ماحصلت عليه يستحق كل هذا العناء؟! هل أنا راض عن نفسي؟! هل كانت نفسي في المقدمة أم اني انشغلت باداء مهام و واجبات لا أجد نفسي فيها؟!
من جمال حياتنا أننا مجتمع جمعي.. لا نؤمن بالفردانية.. تجبر على أن تكون جزء من مجموعة.. لا يسمح لك أحد بأن تبقى وحيداً.. أن تستمتع بعيداً.. أن تختلي بنفسك لفترات.. يُشعرك من حولك بأنك مختلف.. تعاني من مشكلة.. تحتاج لمزيد من الأشخاص لتخرج من عزلتك.. بالرغم من أنك في واقع الحال مستمتع بذاتك.. مشغول بترتيب أولوياتك.. تراجع نفسك.. تناقشها.. تعيد ترتيبها و تهذيبها.. حتى من من لا يكون مقرب إليك قد يستنكر خروجك وحيداً.. سفرك وحيداً.. ذهابك و حيداً.. و بقائك وحيداً لفترات مستقطعة قد تجد صعوبة في إيجادها..
الوحدة هي عطلة الرّوح..
والفرصة للتّوقّف عن مراقبةِ الآخرين وإسعادِ أنفسنا بدلاً من ذلك..
لمجهول
دوافع من حولنا جميلة.. هدفها نبيل.. لكن اعتذارك عن مناسبة رسمية بدون سبب واضح كموعد طبيب أو سفر عمل لايُبرر و لا يُقبل أبداً.. حتى لو كانت اسبابك خاصة في رغبة منك بالاسترخاء و البقاء لترتيب ذاتك.. سيزعل من القريب و يعتب عليك البعيد و يُفسر تصرفك بعدم رغبة واضحة بالاجتماع بمن يقدمون لك الحب و الولاء..
قد تعيش صراع بس إرضاء من يحبونك و نواياهم الحسنة.. و بين نفسك اللتي تريد أن يكون لها خياراتها.. قراراتها.. فترات راحتها.. اعتقد بأن هذا جزء من وضع مجتمعي جمعي بنيته الأساسية الأسرة الصغيرة.. و العائلة الكبيرة.. و القبيلة الأكبر..
كان الأغلب يراعي مشاعر من حوله حفظاً للود بينهم.. و حباً لهم.. لكن الطرف الخاسر سيكون نفسك.. ستقاوم في بادئ الأمر.. لكن بعدها ستجد أن تفتقد لنفسك.. تشتاق لها.. تتسأل أين هي.. ستنتهي عطل نهاية الأسبوع.. ستنتهي الإجازات الرسمية.. ستنتهي كل فصول عمرك و أنت فاقد لنفسك..
بعد مرور السنوات.. ستجد نفسك قادر على قول كلمة لا.. أنا اعتذر.. الوقت لا يناسبني.. لا أستطيع الرد.. اتواصل معكم لاحقاً.. سوف أهنئكم باتصال بدل أن أحضر.. بدون حاجة أن تبرر ذلك.. بدون أن تقدم أعذار رسمية.. بدون أن تبرر غيابك..
حتى في يومياتنا.. سيستنكر الجميع إن مشيت لوحدك.. زرت مقهى وحيداً.. مشيت بمفردك.. ذهبت لمشاهدة فِلماً بدون أحد.. سافرت بدون أحد.. استأجرت كوخاً معزولاً وحيداً.. بحثت عن فندق جميل بمدينتك..
جميعها كانت مفروضة.. واجبة.. قوانين.. لا مجال لمخالفتها أو كسرها.. و قد ترتبط بخلفيات اجتماعية و دينية كبر الوالدين و صلة الرحم و أداء للمعروف.. فيجعلك غير قادراً على مناقشتها فمابالك بكسرها.. حتى مع مرور السنين و استقلالية القرارات و كبر العمر تبقى جوامد لا يمكن تغييرها..
لكن التحولات المجتمعية الحاصلة كسرت الكثير من المسلمات الاجتماعية.. الخروج عن قانون العرف المتوارث.. جعل الناس تبدأ بالتفكير في ذلك.. بدأ المجال أسهل للخروج من هذه الدائرة.. أصبح من الممكن أن تكسر القواعد المتعارف عليها بأقل الخسائر.. تغيرات متسارعة لم يتوقعها أحد.. حاول البعض الاعتراض عليها لكنهم فشلوا.. أعطت الفرد حق القرارات الفردية.. سمحت للمجتمع بتقبل المختلف.. جعل الجماعات تسمح لبعض الأفراد أن يتسلل من بين قبضتهم لِيكون حلقته الخاصة.. البعض قرر البقاء في دائرة الجماعة.. البعض قرر القرار بلا عودة.. البعض يحاول على استحياء..
لا بأس فلا يمكن الحكم على البدايات.. لكن ما يمكن توقعه هو أن يتطرف الجميع إلى الطرف الآخر من العلاقات.. من انغماس تام بالآخر نحو فردانية كاملة لا وجود للآخر فيها.. ما علينا سوى أن نراقب المشهد و نلاحظ التغيرات القادمة.. الأهم أن ترى أين تتجه نفسك وسط كل هذه التغيرات..
مجرد تأملات..👌