ميزان العلاقات الإنسانية
ينظر البعض إلى العلاقات الإنسانية على أنها مجرد إحساس عام يعتمد على الذوق والمجاملة! ولا شك أن كل فرد منا يمارس العلاقات الإنسانية طوال يومه، أثناء قيامه بعمله، ومع مروره بالآخرين في الطرقات والأماكن العامة، وتكوين علاقات جادة معهم.
لكن هل خطر ببالنا بعض التساؤلات حول علاقاتنا مع الآخرين هل نحن مجبرون أم مخيرون في تكوين العلاقات الإنسانية بيننا؟ وهل لهذه العلاقات قواعد وأسس تجعل العلاقة ذات قيمة ومعنى على المستوى الشخصي والاجتماعي؟ ماذا ينبغي تقديمه من تنازلات تجاه أطراف العلاقات المختلفة وبالمقابل ماذا أحصد؟ أم أنها مجرد حاجة لابد من وجودها لتسيير أمورنا الحياتية! وغيرها من الأسئلة التي تراودنا حيال تلك العلاقات.
أتحدث هنا عن ميزان العلاقات خارج إطار العائلة أو القبيلة كون تلك العلاقات تبدو لي واجبة في حق الأقارب كونها تتعلق بصلة الرحم والتواصي بالبر والتقوى، فمن حرُم أهله وأقاربه خيره حُرِم غيرهم بركة ذلك الخير.
منهج القرآن في العلاقات
لقد وضع الإسلام منهجاً وأسساً علمية وعملية للعلاقة بين الأفراد، وسار على هذا النهج عامة المسلمين وخاصتهم، وهذا يدل على أن ديننا الحنيف قد سبق كل العلوم الحديثة التي تتحدث عن هذا الجانب.
قال تعالى «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم ْ♦ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ♦ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ♦ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه ♦ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آل عمران 159
والناسُ ما لم يواسوا بعضَهمْ فهمُ
كالسائماتِ وَإِن سمَّيتهمْ بشرا
خليل مردم بك
مبادئ العلاقات الإنسانية
هناك مبادئ تحكم علاقاتنا بالآخرين في مجالات مختلفة منها بين زملاء العمل بين الأصدقاء أو حتى أفراد العائلة الواحدة، ومن هذه المبادئ مبدأ الحب بمعناه العميق المتمثل في الحديث الشريف ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) بالإضافة للابتسامة وهي من المفاتيح التي تعرف طريقها إلى القلوب مباشرة، وتدفع الآخرين لأن يتعاملوا معنا بود ولطف.
مبدأ الصراحة وعدم النفاق فيما ننقله من آراء ووجهات نظر عن الآخرين وفيما يفعلونه، لكن ينبغي أن تكون الصراحة بعيدة كل البعد عن إيذاء المشاعر أو عن الوقاحة أو توجيه اللوم للآخرين، فالمجاملة مطلوبة بعض الشيء فيما نوجهه من كلمات للآخرين.
عدم المجادلة: والمجادلة من الجوانب السلبية في أية علاقة إنسانية، وتوصف على أنها سم العلاقات فالإنسان لا يميل إلى الشخص الذي يجادل معه كثيرا وإذا حدث وأن وقع الشخص في براثن المجادلة عليه أن يفلت منها بأسرع ما يمكنه بأن يغير دفة المناقشة ويديرها بشيء من الحكمة قبل أن يلتهب الحوار ويؤدى إلى الشقاق في العلاقة.
مبدأ الاعتراف بالخطأ: صفة تكسب صاحبها القوة والفائدة في نفس الوقت، فإذا اعترفنا بالخطأ دوماً فنحن نعلم الآخرين هذا الاعتراف أي يصبح الشخص المعترف بخطئه قدوة والقدوة تعطى لصاحبها القوة،
العطاء ألا مشروط: فالعطاء اكسير العلاقات الإنسانية الناجحة ولا مانع من أن نفعل للآخرين أكثر مما يطلبون أو مما يتوقعون.
لقد أساء البعض لمفهوم العلاقات الإنسانية، حيث تم الخلط بين الصفة "الإنسانية" والصفة "الشخصية" لأنهم يعتقدون أن العلاقات الإنسانية معناها العلاقات الشخصية التي تقوم على الصداقة والاستلطاف وصلة القربى وما يتصل بها من مراعاة للخواطر والمحسوبية، لكن الواقع يوضح أن العلاقات الإنسانية تقترن بالموضوعية والحاجة المٌلحة لبعضنا البعض بينما تقترن العلاقات الشخصية بالتحيز والتعصب.
وختاماً كن من الذين يجمعون الشمل ولا تكن من الذين يفرقون الناس أشتاتًا، إذا جاءك المهموم استمع، وإذا جاءك المُعتذر اصفح، وإذا ناداك صاحبك لحاجةٍ انفع، حتى وإن حصدتَ شوكًا فيكفيك أنك للورد زارع.