هل أنت ذكي أم عاقل؟

أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على بني البشر أن وهبهم العقل ليميزوا به بين الحق والباطل والصواب من الخطأ، العقل ميزة ترجح تفوق الفرد على الآخرين، وبه يقاس تقدم الأمم.

 

العقل في اللغة والاصطلاح:

بالنظر إلى المعاني اللغوية نجد أن مادة "عقل" وردت بعدة معاني ومنها: الحبس، العقل نقيض الجهل، الحجر والنهي.

العقل في الاصطلاح:

اتفق معظم العلماء على أن العقل يقع بالاستعمال على أربعة معانٍ: الغريزة المدركة، والعلوم الضرورية، والعلوم النظرية، والعمل بمقتضى العلم.


العقل في الإسلام

لقد اهتم الإسلام بالعقل اهتماما كبيرا، وأعلى من منزلته وقيمته، ويكفي ما ورد في كتاب الله تعالى من الآيات الكريمة التي تؤكد هذه الأهمية وتلك المكانة، وقد أشير إلى أهمية "العقل" في كتاب الله حيث تكررت مفردة العقل ومشتقاتها حوالي سبعين مرة، ناهيك عن الآيات التي تتصل بالعمليات العقلية كالتفكر والتأمل والنظر بتمعن في آيات الله في الأنفس والآفاق، إن أول ما يشير إلى مكانة العقل في الإسلام هو اعتبار حفظه من الضروريات والمقاصد العامة الأساسية في دين الله تعالى، فمن المعلوم أن الضروريات الخمس الكبرى في الإسلام وهي بمثابة المقاصد العليا لهذا الدين الحنيف، والكليات العظمى التي لا بد من المحافظة عليها لاستمرار الحياة، وقد جعل الإسلام من العقل مناط التكليف فلا يتوجه الخطاب الشرعي إلا للعقلاء من البشر،  ففي حديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق) .

 

العقل في الفلسفات الغربية

اختلف الفلاسفة قديما وحديثا في تعريف العقل وإن كانت أغلب التعاريف تصب في بعضها البعض، فعند أرسطو إن الإنسان وحده يتميز بقوة النطق أو العقل وهو القوة القادرة على إدراك ماهيات الأشياء والخواص العامة المشتركة بين المحسوسات التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ويضيف أن الحواس إنما تدرك الجزئيات أي الأعيان، أما العقل فيدرك الكلّي فهو لا يتعلق بهذا الإنسان أو ذاك وإنما هو يتعلق بماهية الإنسان.

أما الفيلسوف الفرنسي ديكارت وصف العقل بأنه التاريخ وبأنه تلك المعارف التي تدافعت وتصارعت لتنتج ثم تعود لنفس الحركة حتى أنتج الإنسان حضارته، فالعقل عنده هو ملكة الرفض والقبول عند الإنسان وملكة التمييز وملكة الاختيار وملكة الترجيح.


العقل أم الذكاء؟

يعرف الذكاء بأنه القدرة على فهم تجارب الحياة بكفاءة، والاستفادة منها عن طريق تحليلها واستخلاص مجموعة من الدروس، أما العقل كما علمنا أنه القدرة على عدم الاستجابة للمؤثرات المحيطة بالإنسان، استجابة رد الفعل المُبَرمَج، ولكن هو القدرة على إصدار الفعل المناسب الذي ينبع من التفكير في المصلحة والضرر والموازنة بينهما، لهذا تميز الإنسان عن الحيوان بالعقل وليس الذكاء ، قال تعالى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} سورة الفرقان _ آية 44

فمِن خلال «العقل» نستطيع أن نميز متى نختار الوقت المناسب لنستفيد من تعبيرنا اللفظي الإيجابي، أو استخدام الحوار الصامت «غير اللفظي» وفقا لنوعية المشاكسين ومستواهم «العقلي» و «النفسي» عملا بفلسفة «قلة الكلام...كلام و«قلة الجواب...جواب»!


 

مؤشرات تمام العقل

النضج العقلي هو اكتمال الثمرة وبلوغ الغاية وتمام الخصائص، والنضج غاية البشر وكلنا يسعى للوصول إليه حتى يستمتع كل منا باكتمال الشخصية، وهناك علامات ودلائل، للنضج العقلي علامات متى توفرت في شخص يمكننا أن نقول عنه أنه ناضج وواعٍ، ومتى لم تتوافر لم تكن ناضجا بما يكفي، وهذه بعض العلامات التي تدل على النضج العقلي، ومنها التفكير قبل الحديث، والتريث قبل الإقدام على فعل أي شيء، وقياس الأمور بعواقبها ونتائجها.

التعبير عن نفسك بحرية ودون تردد خاصة إن كان نقد الآخرين وآراؤه السلبية لا يشغلان بالك، لذلك اترك آراء الآخرين لهم، وعبر عن نفسك بثقة وفخر.

تقبُّل النقد وعدم الشعور بالإهانة حال الرفض

عدم حمل الأحقاد، والتحكم في المشاعر السلبية

عدم البحث عن أخطاء الآخرين، والسعي لمعالجة الأخطاء الشخصية

التواضع مع الآخرين، فالتواضع علامة على الإنسانية قبل أن يكون علامة على النضج العقلي، واعتبر الإسلام التكبر والغطرسة مرضا في شخصية المرء.

 

هل للصمت علاقة بتمام العقل

نكاد نتفق على أبعاد هذا القول لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه "إذا تم العقل نقص الكلام" فحتما هنالك علاقة عكسية بين تمام العقل ونقصان الكلام، فكثرة الكلام توقع صاحبها بالخطأ، علاوة على أن الحكيم يزِن كلامَه قبل أن يُخْرجَه، سواء أقَلّ الكلام أم كثر.


خطوات بناء العقل

كما يحتاج الجسد للبناء والغذاء، فكذلك العقل، بل له الأولوية، فهو القائد لهذا الجسد، واستعرض أمامك عزيزي القارئ بعض الخطوات التي تساعد في بناء العقل ورجاحته.

القراءة أولاً: إن القراءة هي رمانة ميزان تكوين وتأسيس أي عقل، وقديماً قالوا إن الأمة التي لا تقرأ، لا مستقبل لأبنائها، فالجمود الفكري والتحجر العقلي منبته عدم القراءة.

اعتياد التفكير والخيال: فإن الشخص الذي يفكر يملك مقومات من الثبات والتطور، خصوصاً لو كان صاحب رسالة، ولديه فكرة يعمل لها.

ممارسة اليوجا العقلية: وهي نظام رياضي مكون من سلسة أوضاع جسدية، يتم القيام بها بشكل منتظم، وهي أيضاً تمرين يغذي العقل، وتسمو بالروح.

النقاشات الفكرية: فإنها تقوم العقل وتفتح آفاق للتواصل والتفكر فيما يطرح من آراء واختلاف وجهات النظر مع الآخرين.


ورد عن أحد الحكماء قوله: جالِسِ العقلاء أعداءً كانوا أم أصدقاء، فالعقل يقعُ على العقل.


ومما قيل أيضاً أنهم سألوا مجنوناً يوماً عن المجانين قائلين لهُ: أَتعدَّ المجانين؟ فقال: هذا يطولُ، ولكنَّ الأسهلَ أن أعدَّ العُقلاء!

Join