الهشاشة النفسية .. جمهور الهلال انموذجاً
يطلق مصطلح “الهشاشة النفسية” على شكل من أشكال الاضطراب النفسي يكون فيه الشخص غير قادر على التكيف مع محيطه إلا بوجود مصدر للدعم النفسي والمعنوي.
ويعزو الدكتور إسماعيل عرفة مؤلف كتاب (الهشاشة النفسية) ظهور هذا النوع من الانكسار الداخلي للنفس وما يعتريه من إشكالات نفسية معاصرة نتيجة التعرض للمواد الإعلامية المختلفة والمضعفة للنفس البشرية وكذلك الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وما حملته من تعظيم الفرد والـ (أنا) حتى صارت بعض فئات المجتمع أقرب لمخاطر تلك الهشاشة التي تنذر بانكسارها مع أقل موقف يصيبها بضرر ولو باليسير!
من جهتي قرنت بين الهشاشة النفسية كحالة واضطراب وبين حالة الأكثرية من جمهور الهلال العزيز حيث أنتمي شعوراً لا حالة، وتعرضه لمثل هذه الهشاشة الداخلية والتي تكاد لا تنفك عن معظم هذا الجمهور حال خسارة فريقه وتعثره لأي سبب كان! على الرغم أنه جمهور يحسده الجميع على فريقه الذي وإن انكسر مرات فقد أوجع خصومه مراراً ولا يئود.
إن كافة الجماهير الرياضية تعرضت فرقها لنكسات متوالية في كافة المسابقات لكن حالة تعامل بعض جمهور الهلال مع الخسارة وغيرها من التعثرات تجعل منها حالة استثنائية تستحق الوقوف والتأمل؛ ومن المعلوم أن كافة الجماهير الرياضية تتعرض لبعضها في حال خسارة فريقها على الفريق المنافس وقد يستمر ما يسمى بـ "الطقطقة" أيام وأسابيع بحسب الأهمية والانجاز الذي واكب الانتصار.
غير أن تعاطي غالبية من الجمهور الهلالي مع الخسارة و "الطقطقة" أمر مستغرب وربما نادر الحدوث في عالم كرة القدم وهي الرياضة التي لا تعرف المستحيل، والخسارة فيها واردة حتى من أقل المنافسين تصنيفاً.
يمكننا القول هنا أن البعض من جمهور الهلال بالمصطلح العامي "نفسيات" وإن جاز تشخصيهم بالمصطلح العلمي بـ "الهشاشة النفسية" وهذا الشعور تولد بدأً من الرغبة المستمرة في النجاح وكما هو معتاد على جمهور الهلال فأفراحهم متوالية دون انقطاع إلا ما ندر؛ أم هو حالة من عدم تقبل للنقد وحباً للكمال الذي يستحيل دوامه على أية حال.
إن حالة كثير من الجمهور تشبه حالة مجتمع تعرض لمشاعر مدللة لفترات طويلة فصارت نفسيته غير قابلة للكسر في أي موقف ولو كان يسيراً ما ينتج عنه قلة التحمل للمشاكل والضغوط والمتمثلة في خسارة مباراة أو بطولة عند الجمهور الهلالي!
كما يمر غالبية جمهور الهلال بمرحلة تسمى عند علماء النفس مرحلة تضخيم الألم(Pain catastrophizing) بوصفه كارثة وجودية، هذه العملية عبارة عن حالة شعورية تعتريك عند وقوعك في مشكلة فتشعر بالعجر والانهيار وتصف المشكلة بألفاظ مبالغ فيها لا تساوي حجمها الحقيقي! وهذا التضخيم يجعلك تغرق في شعور التحطم والانهاك النفسي بلا سبيل للخروج منه، فيصبح الجمهور أشبه برقائق الثلج هش نفسياً ويتحطم شعورياُ مع أي ضغط يواجهه في الحياة.
ويوعز العلماء هذا الشعور لسبب أن تشبيه حالة "رقائق الثلج" (Generation Snowflake) بنظرية التفرد كحالة الجمهور الهلالي النظرية التي تقول إن رقائق الثلج لها هياكل فريدة ولا يمكننا أن نجد رقيقتين متشابهتين أبداً؛ كذلك الحال مع جمهور الهلال عاش حالة من الشعور العارم بالتفرد وتم تغذيته بأفكار التميز والريادة ويحس دائماً بالاستحقاق بكل ما يشارك فيه ويتوقع من الآخرين معاملة راقية له وحفاوة زائدة تجاهه! وكأن هذه الأمور حقوق خاصة له دوناً عن سائر منافسيه.
الأمر الذي يعيش معه الجمهور حالة الضحية بشكل دائم، فتُجرح مشاعرهم من أقل شيء ويشعرون بالإهانة من أصغر كلمة! ما يعرضهم للضعف والتنمر اللفظي والمعنوي من قبل أقرانهم ومنافسيهم.
وهناك حالة بعلم النفس تسمى بـ "خطأ الإحالة الأساسي" أو "خطأ العزو الأساسي" وهي ادعاء الإنسان وتفسير سلوكه الشخصي على العوامل الخارجية الظرفية والتي أدت لانفعال معين تجاه قضية أو حدث ما، وتهربه من إلقاء اللوم على نفسه وسلوكياته؛ وهذا بالفعل ما يجعل طائفة من جمهور الهلال غير قابلة للنكسات وترمي الآخرين بتهم تراجع فريقها لسوء الأداء الفني للاعبين أو تراجع إدارة الجهاز الفني أو التراخي الإداري للفريق.
السؤال المهم هنا هل الصلابة أو المرونة النفسية أمر نسبي يمكن تعويد النفس عليه وتدريبها على اكتسابه أم أنها طبيعة خِلقية لا تتغير بتغير الزمان والمكان؟
وفقا للدكتور إسماعيل يرى المختصون والأكاديميون أن مصطلح المرونة النفسية (Resilience) يعني أن الإنسان منذ صغره لديه مرونة نفسية تمكنه من التكيف مع المؤثرات الخارجية وفقاً لاستجابته لها، ويقسم الناس في ذلك إلى ثلاثة أصناف: ضعيف، قوي، متين غير قابل للكسر.
وقد بدا على جزء كبير من الجمهور الهلالي في هذه الحالة التأثر بمقولة الكاتب والفيلسوف البريطاني ألان دوبوتون "أبدى أبناء العصور الحديثة مشاعر مبالغ فيها بأن لا شيء يكفي بالمرة".