حرية مُعلبة
أظننا جميعًا قد مرت المعلبات علينا في حياتنا، سواءً كانت على صورة غذاء أو على صورة أفكار وأحكام. كحكمنا على الناس قبل معرفتهم نسمي ذلك بــ (تعليب الناس) من الممكن هذه الفكرة قد أُقحمت في أدمغتنا بسبب المقولة المشهورة عن أهمية الانطباع الأولي لدى أول لقاء.
دعوني أُعرفكم على أحد أنواع التعليب التي أكره…
التعليب الحضاري،
انتشرت مصانع التعليب الحضاري وقد اختلفت مدارسها الصناعية باختلاف المجالات الفنية ونوعها، التعليب الحضاري هي أداة لتصنيف الأمم واجحاف شعوبها عن طريق نشر فكرة معينة ثابتة تغرسها لعامة الناس حتى وإن كانوا من ذوي الحضارة ذاتها، نشر فكرة بربرية العرب والڤايكنغز هي مجرد إحدى منتجات تلك المصانع وغيره الكثير من اجحافٍ بحقوق السكان الأصليين لأميركا الشمالية وأستراليا كمثال.
وهناك أيضًا أفكار معلبة والمضحك في الموضوع التعليب غير منطقي لها، مثال على ذلك تعليب فكرة الحرية هو بحد ذاته عكس مفهوم الحرية، لا يمكن حصر كلمة حرة طليقة كالحرية بمنهجية ثابتة ومحكمة بغير وجود تناقضات. لذلك الركض ورائها كفكرة، من المستحيل الوصول لها. لأن بظرف هذه الفوضى الظاهرة في حياتنا ينتصفها النظام الأوحد واضعاً حدوده للفكرة الانسانية المُحرفة، هل يعقل أن الحرية فعلياً هي الحل؟ إذاً لماذا مع وجود حرية للطائر التي تعد جناحيه شعاراً للمفهوم بتحليقه بالآفاق مع العلم بوجود حدود لأفقه ومسيرته، هجرة الطيور وسقفها السماوي ألا تعتبر حدوداً لحريتها؟ طبيعة الناس تفرض الحدود، طبيعة الطبيعة تفرض الحدود أيضًا، أين الحرية إذاً؟!
تصدير هذه الفكرة المعلبة عالمياً أدت لتضارب قيمة المنتج في الأسواق الفكرية. لذلك نشأت أسواق فكرية كثيرة من الفكر الشعبوي والرأس مالي وغيرها من الأسواق التي لطالما كانت تركز على نكهة معينة من الحرية، لكن أين النكهة الكاملة (الكوكتيل) التي روجتها المصانع منذ البداية، النكهة الإبداعية التي تجعلك انساناً كاملاً هل لا وجود لها من حلاوتها؟! أم أن مُرورتها على صناع القرار وواضعي القوانين سبب اختفائها؟!
لنقل أن الجميع لديه هذه النكهة تخيل معي أن لديك الحرية المطلقة بفعل أي شيء تريده ومن غير حساب، ماذا ستفعل؟ وماذا سيفعلون الأحرار؟!
بالفعل الحرية المطلقة لا توجد لأنها لو وُجِدت عزيزي القارئ لكنا بالفعل قد انقرضنا...