الفرق بين العمل الروتيني والعمل الابتكاري

عندما يكون وأد البنات واجبا

مر بي صديق، كان يعاني من مشكلة ترتيب اولويات، وعبر لي عن صعوبة قتل المشاريع والأفكار الفاشلة، بالذات لو كانت محببة إلى قلبه. تذكرت حينها تدوينة قديمة لي، أحببت أن أعيد انتاجها وصياغتها عن علاقة قتل الأفكار الجيدة مع العمل الابتكاري وبالذات في ريادة الأعمال.

طبيعة العمل الروتيني تهدف دائما لتقليل المتغيرات وتفادي الأخطاء في العمل والمحافظة على نوع المهمة ونوع العمل بنفس الطريقة حتى لا يتغير نطاقها وتصبح شيئا آخر.


أما العمل الابتكاري فيهدف إلى زيادة المتغيرات في المهمة وتوقع معدل أخطاء عال لتتطور إلى مهمة جديدة وبنطاق جديد.

يعتقد البعض أن العمل الروتيني غير مهم وأننا يجب أن نبتعد عنه في منشآتنا قدر الإمكتن. وهذا خطاء كبير يقع فيه كثير من رواد الأعمال. ولكن يوجد ترابط كبير بين العمل الابتكاري والعمل الروتيني، فكل المنتجات تبدأ بعمل ابتكاري (فكرة – تجربة – فشل – تعلم – فكرة – تجربة – فشل – تعلم -…… الخ ) حتى تصل إلى المنتج الذي نريده وبمجرد الوصول إلى هذا المستوى يصبح هدفنا تقليل المتغيرات قدر الإمكان وتحسين الجودة وتقليل الأخطاء.

مثال: من أجمل الأمثلة الواضحة على ذلك، منتج يسمى “WD-40” وهو سائل يستخدم في التشحيم والحماية للآلات والمعدات. الطريف هو أنه يسمى WD-40 بسبب الـ39 محاولة فاشلة في تطوير المنتج (عملية ابتكارية) وعندما وصل المنتج إلى النسخة الـ40 ، هناك بدأ العمل الروتيني بحيث يتم انتاج نفس المنتج دائما بنفس الطريقة وبأقل عدد من الأخطاء.

WD-40

فمن الطبيعي أن الكثير من الأفكار الابداعية تموت قبل أن ترى النور. لذلك من المهم أن يعي القائد أهمية وأد بناته (أقصد بنات أفكاره😏)! tمن السهل علينا أن نقع في الحب! نعم حب فكرة معينية وبالتالي يصعب علينا قتلها. مشكلة الأفكار الجيدة أنها وليدة لإبداعاتنا فتجد بيننا وبينها علاقة حميمة. إن قتل الأفكار السيئة شيء سهل لأنها سيئة ولكن من الصعب قتل الأفكار الجيدة لأننا نرتبط بها عاطفيا!

حصرت احدى شركات الألعاب 4000 فكرة في السنة. نجى منها 226 فكرة وتحولت إلى رسومات ونماذج تجريبية. بيع من هذه المنتجات حوالي 12 منتج. ولكن منتجين أو ثلاثة منتجات هي التي حققت نجاحات مالية في السوق.

قتل الأفكار الجيدة مهم ولعدة أسباب:

  • قد تكون الفكرة جيدة ولكنها غير ناضجة ويكون دافع اختيارنا لها الخوف أننا قد لا نجد فكرة أفضل!

  • رواد الأعمال يعملون بجهد وبسرعة لإخراج منتج وقد يتمسكون بأول فكرة جيدة وقد تكون غير ناضجة.

  • النهايات المبكرة هي عدوة للابتكار! من الطبيعي إذا بدأت في عمل ابتكاري تنتج لك أفكار جيدة كثيرة، وبالتالي يجب ان لا تضعف وتقف امام اول فكرة أمامك، فقد تخسر أفكارا أفضل وانجح فيما لو أكملت المسيرة وقتلت الأفكار الجيدة المبكرة.

  • أيضا قتل الأفكار الجيدة توفر عليك الجهد والطاقة والموارد لأن الأفكار تحتاج رعاية وتطوير وكل ذلك يكلفك مالا ووقتا.

  • تمرين قتل الافكار الجيدة يجعلك تفاضل بين أفكارك وبالتالي تنقذ الأفضل بين الأفضل وتركز عليه لأنك لن تستطيع أن تعمل على جميع أفكارك الجيدة.

إن قتل الأفكار السيئة ليس صعبا بل كل الشركات (الجيدة والسيئة) تفعل ذلك، ولكنه من الصعب (ومما يميز الشركات الجيدة) قتل الكثير من الأفكار الجيدة

ستيف جوبز

مهما فعلت كل شيء بطريقة صحية ، ستفشل! ولكن ليكن عزائك أنك تنتج شيئا جديدا للعالم. تذكر أنه لينجح عملك الابتكاري يجب أن يكون (مرغوب و قابل للتطبيق و عملي). طبعا تستطيع أن تقلل نسبة الفشل عن طريق الفشل مبكرا. وقد يساعدك في ذلك اتباع منهجيات معروفة في الابتكار مثل منهجية مشهورة تدعى التفكير التصميمي (Design Thinking) وهي باختصار تبدأ بتحديد الهدف ومن ثم البحث وثم انتاج الأفكار ويلي ذلك صناعة النماذج والتجارب ثم الاختيار والتطبيق وفي النهاية التعلم من التجربة. هذه المنهجية تحاول أن تجعل الفشل مبكرا في الابتكارات ولكن هذا لن يمنع من الفشل.

إقراء أكثر: مقالة لبوب ساتون “حكمة من ستيف جوبز: أهمية قتل الأفكار الجيدة” ومقالة من ديغو رودريغوز “قتل الأفكار الجيدة ، فكرة جيدة

ختاماً أترككم مع راندي كوميسار مؤسس شركة كلاريس (التي استقلت عن أبل) ورئيس شركة لوكاس أرتس (أصحاب لعبة ستاروورز) وشركة كريستال دايناميكس (أصحاب لعبة تومب رايدر) وهو حاليا أحد المستثمرين في المال الجريء، ومع هذا الفيديو القديم ولكنه رائع:

Join