الرسالة الأولى
مني…إليه
التاسع من ديسمبر 2021
أهلًا..
ها أنا أعود للكتابة لك مجددًا علّكَ تسمع وترى…
لقد راودتني فكرة الكتابة لك في صباح هذا اليوم
وددت أن أشاركك ولأول مرة ما أشعر..
وأشعر الان أن وجهك قد امتلئ دهشة!
لا تتعجّل ففي الآتي مايدهشك أكثر.
حسنًا دعني أُخبرك ياهذا: أنني قد مللت الوحدة!
لا ليست الوحدة التي تنتهي حين يمسك بيدك طرفٌ آخر!
إنها وحدة أعمق.. أشد.. وأقسى!
أنا وحيدة!
مذ ولدتُ وأنا وحدي رغم أنني بينهم!
لم أحيا في بيتٍ مستقل منذ أن جئت إلى العالم
لكنني لم أرتبط يومًا بمسكنٍ ما
أو أشخاص آخرين!
ودعني أقطع طريق أفكارك وأقول: لا لم أولد في عائلةٍ سيئة أو والدين ظالمين…لا!
هم رائعون بمقاييس هذا العالم لكن
قد تكون تلك لعنَة!
مثل تلك التي تقع على رأس الأميرات في الأفلام الشاعرية تلك!
ولا أيضًا.. أنا لا أملك رفاهية الشعور كأميرة…
لا تحيا الأميرات وحدهن مطلقًا!
ها أنا ذا أهرب من الفكرة مجددًا
دعني أعود لها
لقد سئمت الشعور الذي يقبع بين أضلعي بأنني وحدي
لا ارتباط لا جذور لا امتداد
حتى وإن كنتُ بين العالمين أبقى وحدي! هل تعي ما أقول!
أرجو أن لا تكون قد هززت رأسك إيجابًا الان فأنت يا صديقي تكذب!
ولن أعتذر عن ذلك فتلك حقيقة..
إن هذا الشعور مظلم
يقف حائلًا بيني وبين العالمين، بيني وبين روحي، بيني وبين ضحكاتي، بين سعادتي، يقف بيني وبيني!
فكيف يحلم من لا يشعر بجذوره حيث يضعها،
كيف يضحك من لم يعي معنى أن تكون سعيدًا بين العالمين
وأرجو أن لا تقول أن أضحك وحدي فلو فعلت ذلك مرتين في اليوم وبشكل مستمر لنقلتموني مباشرةً لمستشفى المجانين أو لرددت جدتي (هذه الفتاة يعتليها مسٌ من العالم الاخر فتضحك لهم، وتنهال الدعوات بالرحمة والرأفة) آه ياللقسوة!
لقد حاولت الاعتياد على ذلك وارتديت رداء القوة،
ورددت على مسامع العالم انني مستمتعة وسعيدة
لكن لا،
لقد بات الأمر أكبر
أنا وحيدة حدّ أنني أصبحت لا أعرف الوجهة الأخرى لي في هذا العالم..
وفقدتُ مسار التخطيط لأنني وببساطة لا أعلم مالقادم؟
وبدأتُ أشعرُ بالخوف حينَ تساوت المشاعر بداخلي في الفرح والحزن والصحة والمرض، لم يختلف شيء!
أتعلم شيئًا لقد اقتربت من الموتِ قبل أيام ونقلت للعناية المركزة، وحُففتُ بالأطباء والممرضين والكثير من ضربات الإبر وصرخات الانقاذ
ولم أخشى سوى أن يرتبط بي الاخرون!
أو أن يحملون همي فلم أفعل شيئًا سوى أنني وحين فتحتُ عيني…
همست للذين كانوا معي أن عودوا لمنازلكم فأنا بخير وحين أستطيع العودة للمنزل سأتصل بكم وفقدت الوعي مجددًا!
وفي كل مرة أتجاوز النوبة الجديدة أعود لتكرار ماقلت لهم!
وفي عقلي رغبةٌ كبرى أن يدعني العالم وشأني سيعتني بي الأطباء حسب وصفهم الوظيفي، وحين أستيقظ سأعود للمنزل!
وإن انتقلت للعالمِ الاخر فسيعتني بجثتي الأطباء وسيخبرون أهلي الذين سينقلوني بدورهم لمثواي الأخير فلمَ يبقون بجانبي في تلك المرحلة من صراع الحياة والموت، أليس ذلك شأني وحدي؟
نعم بالضبط هذا ما أخافني جدًا، كيف لم أشعر بالحاجة لهم!
كيف لم أبكي على كتف كائنٍ من كان وأخبره أن التجربة كانت مريرة!
وحين استيقظت عدت للعالم لأقوم بما علي من أدوار حتى تحين النهاية!
وذلك مخيف!
حتى ذلك يبدو أسهل من عدم رغبتي بالحديث عن هذه الوحدة لأحد أيضًا، فهي مشكلتي وحدي أليس كذلك؟
ولا أرغب بأن تمتدُ أيدي المساعدة من العالمين وممن يذكرونني بأنهم هاهنا حولي ويشعرونني بالذنب كذلك!
لأنني واللهِ أحبهم، فوق ماقد يشعرون ولكن أشعر بأنني عابرٌ فقط في حياة الاخرين، وأرغب بأن يكون العبور خفيفًا فأبتعد عنهم وأنغمس بالوحدة أكثر!
هي متاهة من الوحدة ياصديقي منعتني حتى من الكتابة إليك رغم شوقي لك!
وتذكر! لا أطلب المساعدة في هذه الرسالة أرغب فقط أن تقرأ وتعلم، فربما أترك خلفي شخصًا يعرفني ويستطيع الحديث عني، يخبر العالم من كنت وماذا فعلت وإلى ماذا كان المآل.
ياه كم وددت أن أنهي الرسالة بأن أخبرك أنني أحبك كما اعتدت سابقًا،
لكن الوحدة التهمت شعوري فلم أعد أعلم هل أنا أحبك أو نحنُ عابرين، عابرين فقط في حياة بعضنا البعض!
ولكي تطمئن: لا أحب أحدًا الان، ولا أحب شيئًا كذلك!
أو ربما فقط أحب عبد الرحمن، أخي الصغير الفاتن!
أحبه نعم لا ربما في ذلك! كيف أشك!
أحبه؟ لا بل هو ذاك القلب الذي ينبض في جوفي!
كم تحييني ابتسامته! كم اشعر بالاطمئنان حين أراه!
رغم بعدي الروحي عنه لكنني أحبه!
هو كل ما أحب وآخر من سأُحب! وهذا الأمر مخيف!
ماذا لو رحل عبد الرحمن بعيدًا، ليس للعالم الاخر فأنا أدعو الله يوميًا أن يجعل رحيلي قبله ولكن ماذا لو رحل ليدرس بعيدًا عني؟
لن تختلف وحدتي، لكنني سأفقد بريق ابتسامته الذي يحرك قلبي وهنا ربما يجب أن تدق ناقوس الخطر!
وأن تبحث عني أو تضع قصص بطولية لنهايتي أرجوك!
إلى اللقاء