كيف يحيا اللامنتمي

في عالمٍ زادت فيه الانتماءات لأحزاب وقبائل واهتمامات، كيف يحيا اللا منتمي؟ 

ذاك الهارب من كل شيء؟ المتجذر بداخله دون تشبت بالآخرين؟ 

ذاك الذي لم يستند يومًا على كتف أحد، ولم يستطع كذلك الانتماء لأشياء أخرى؟ 


أولئك الذين كانت طفولتهم امتدادًا لوحدتهم ولبعدهم عن التشبت بالعالم الخارجي، 

كانوا وحدهم يبنون عالمًا مستقلًا وكذلك استمروا في كبرهم! 

إلا أن العالم الان يأبى أن يُرحب بهم، أو أنهم هم من لا يستطيعون الاندماج به! 


يرون أن رسالتهم في هذا العالم أن يمروا بسلام، خفافًا دون إثقال لأحد! 

لم يتمسكوا يومًا بحدث، أو شخص، كانوا متفردين في وحدتهم. 

رغم تعاظم الصوت الذي ينادي بداخلهم أن اندمجوا اخلقوا لنا جذورًا وأُسَر، كفاكم انعزالًا عن العالمين. 

إلا أنهم يستمرون بالتجاهل غير مصدّقين بقدرتهم على الاندماج مع هذا العالم والتماهي معه. 

فكل لا منتمي هنا لم تبدأ قصة ابتعاده عن العالم حديثًا بل إنها هُنا منذ ولادته! 


قد يزدحم كرت عائلته بأسماء أُسرته لكنه يكبر وحيدًا متشبثًا بعالمه الداخلي المتفرّد، غير مؤمن بإمكانية اندماج شعوره مع الآخرين وتبادل أفكاره معهم،

يزدادُ بعدًا عن العالمين عامًا بعد عام، يبتعد عن الجميع ملايين الخطوات رغم وجوده بينهم، يقاسي مايُقاسي في حياته غير مكترث بدعم الآخرين فهو لا يؤمن به أيضًا، ويصنع الأمجاد ولا يلتفت لها، يمضي عنها بعيدًا ولا يسمح لها أن تتشبث باسمه. 

يرى نفسه مرتحلًا يأبى التوقف، وهكذا تمضي السنين. 


ولم يكن هذا الأمر يومًا معضلة أو مشكلة تستوجب الحل في أزمنةٍ مضت، إلا أن العالم الان لا يُرحب بهم فهو إن لم يقم بطردهم يومًا لن يُفسح المجال لهم ليجلسوا فقطَ! 

سيُحاربهم العالم أجمع لأنهم لا يشبهونه، لا يروون القصص عما يفضلون ويرغبون ولا يقضون الليالي في تزيين أمجادهم بأعين الاخرين،

يمضون بسلامٍ لا يناسب هذا العالم،

والمشكلة الأكبر الان أنه سيضرهم يومًا.

سيقتلهم هذا اللانتماء على غفلةٍ منهم، سيسرق صنائعهم وأحلامهم سيهديها لمن ينتمي ويتمسك ويصرخ يوميًا بها، وسيزيد وحدته بإبعاد العالم المنتمي عنه، ويزدادُ وهنًا على وهن. 



يجب أن يقف العالم بصفهم، يُهديهم سبل الانتماء، يساعدهم بالاندماج، أو يصنع لهم فئةً أكبر، ينتمي لها كل لا منتمي فيشدون عضدهم ببعض، 

ويسيرون بالحياة بسلامٍ وقوة وربما بعد سنين يساهم هؤلاء اللامنتمين ببناء أجيالٍ قوية الانتماء تحتفي بذاتها كما تفعلون، تُقبل على الحياة والحب والضحك بقالبٍ يُناسب هذا العالم المادي. 


أو نتفق دون تردد على احترامهم، وتفهّم أساليب حياتهم وكيف أنهم يسعون بكل قوةٍ للحياة لكنهم صامتين. 

وأنهم يفيضون حبًا يكفي هذا العالم أجمع، لكنهم يستمتعون بإعطاءه دون انتظاره من الاخرين وقد يواجهون مشاكل بقبوله من الاخرين لكن لا بأس!

فلنرى الجانب المشرق. 

وأنهم رغم صمتهم يحملون من الحكايا والقصص والتجارب والالام والأفراح مايظنون أن الاخرين سيعجزون يومًا عن تصديقه، لذلك يلوذون بالصمت. 

وأنهم ورغم الهدوء الذي يكتسيهم يحملون إعصارًا بداخلهم يعصف بهم يومًا بعد يوم، لكنهم يفضلون تحمله وحدهم! 


ولنتفق أيضًا أنهم يشاطروننا الحياة والأعمال ومقاعد الدراسة دون وعيٍ منا بتفردهم، لأنهم ببساطة يشبهوننا بكل شيء لم يختلفوا يومًا في ملبس أو مأكل أو مشزب، يختلفون عننا فقط بما يحدث داخل عقولهم وأرواحهم. 

لذلك، 

يجب أن نكون على وعي وقدر كافي من التقبل لهم، فلنعطي كل ذي حقٍ حقه، ولتمضي كل روحٍ بما ترغب، لا تنتقد، لا تُنظّر، لا تبدأ النصح، ساعده لينتمي أو دعه يمضي كما يريد. 


Join