يعيش في دائرة لا بداية لها ولا نهاية بطبيعة الحال،مغلقة لم تُرسم حين رُسمت بمفتاح، ويرى أن هناك أسدًا يطارده
ويقرر النجاة بحياته، يقرر الهرب
وهكذا يبدأ الركض يدور في دائرته بلا توقف
يشعر بالأسد حينًا يقترب منه يظن أنها النهاية يزيد الخطى
تزداد ضربات قلبه يزداد تنفسه صعوبة..
لكنه يقرر الهرب لن يتوقف!
لن يسمح للأسد بتناوله سيهرب..
سينجو .. سيجعل من اسمه قصةً ترددها الأجيال مثالًا على الكفاح ويستمر بالركض…
وبعد ساعات من الركض المتواصل شعر أن الأرض تدور به
وعيناه لم تعد تبصر الطريق جيدًا،
وظن أن رئتيه قد حُشرتا في حلقه فلا هواء سيخرج
وتهاوى جسده على الأرض معلنًا نهاية الركض ويطول سقوطه!
ثم يفتح عيناه يتحسس جسده يرى أنه مازال سليمًا ولم يلتهمه الأسد كما اعتقد!
استطاع أن يتنفس فاطمأن أن رئتيه لم تخرج إلى حلقه كما ظن!
تنهد كمن يزفر الأرض بثقلها عن روحه، لكنه وياللأسف حين أقام جسده بعد السقوط رأى الأسد هناك ينظر له ويبتسم بخبث وكأنه يقول له: لم تنتهي قصتنا ستعود للركض مجددًا..
وعاد صديقنا يركض بجسدٍ مُنهك، وقصةٍ تتكرر كل يوم..
ذاك الصديق لم يعلم أن لا أسد في المكان!!
وأنه لم يوضع في دائرة فالأرض فسيحة حوله،
وأنه لم يركض حين فعل من الأسد بل هربًا من قلقه الذي ربما غادر عقله حين غفلة منه وتشكل أمامه كأسد يرغب بالانقضاض عليه؟
لم يعلم أن مايركض ليس يركض خلفه بل إنه هناك في عقله،
يدور بشكل مستمر لا يتوقف يُهلك تلك الشعيرات التي تحمله بين ثنايا المخ ولكنه لايأبه! هو فقط لا يستطيع التوقف عن الركض،
فيشعر صديقي بالضيق مما يحدث في عقله دون أن يعلم لما ويخرجها دون أن يشعر بأن يقلق على كل ماحوله،
تفاصيل حياته اليومية البسيطة التي لا يأبه الجميع بها تغدو أمامه قصة حرب ضروس إما أن ينجو فيها أو أن يسقط..
يحيا في دائرةٍ لا مفر منها يركض بداخلها ظنًا منه بأنه سيصل يومًا للخلاص
سيجد المفر سيستطيع الهروب سيمضي ولكن! هيهات لم يحدث ولن!
في ذات الشعور ينوي الخروج ثم يقع…
وكل الخطط التي يضعها للتخلص من القلق هي دعوة لقلقٍ آخر
هكذا تمامًا:
يفكر في الليل أن بعض الممارسات الصحية صباحًا ستمنع عنه بعض الألم،
فيضع نصب عينيه أنه سيفعلها، وفي أي محاولة منه لأن يغفو تسيطر شياطين القلق على عقله فتبدأ في الركض حوله وتبدأ التفكير بما قرر فعله للتخلص من القلق! كيف سيفعله ومتى وهل سيتقنه؟
هل سيستطيع؟
وهكذا تغدو حلول القلق مصدرًا لقلق آخر له..
وحتى حين يقرر أن يمضي متصالحًا مع أيامه بلا خطط ومحاولات لا يتركه القلق قرير العين بل يبدأ بإنشاء أفكار أخرى كأن يقول له ويحك أهكذا تنوي الاستسلام؟ أتقبل أن يفترسك القلق ليل نهار؟ وهكذا يغدو قبول القلق والتصالح معه قلقٌ آخر!
وحين يمضي مرددًا لابأس سأنشغل عن قلقي بأعمال عديدة ولقاءات أصدقاء لا تتوقف وربما سأخرج لشرب القهوة معهم يوميًا لن أبقى وحدي، يأتيه القلق متلبسًا جسد أصدقاءه فيبدأ بلا وعي بمراقبتهم عن كثب؟ هل منهم حزين؟ ولم وماذا حدث فيغدو محاولًا إيجاد طريقةٍ للتخفيف عن صديقه وليس ذلك بسلام كما تظنون؟ بل إن القلق يحرقه أيضًا!
“ماذا حدث لصديقي وكيف حدث ماذا أفعل؟ هل هكذا يكفي؟ ماذا لو لم يبتسم؟ إنه يبتسم الان لكن هل هي حقيقة تلك الابتسامة؟ لربما كان يحاول المقاومة؟ هل يعاني مايخشى قوله؟”
وصديقه السعيد هناك لا يستطيع تركه وشأنه فيجب أن يعلم لماذا وكيف؟ وماذا يستطيع أن يفعل؟ كيف يخبره أنه سعيدٌ لسعادته رغم قلقه الذي يبدو جليًا على ملامحه؟ هل تكفي كلمات لطيفة يخبره فيها أنه معه؟ أو من الأفضل أن يحضر له هدية ما كي ينشغل بها وينسى ملامحه التي بدأ يأكلها القلق؟
وحين يقرر الانغماس بالكتب وأن يقرأ حتى تنهار قواه ويسقط القلق أرضًا، يقف القلق قائلًا: هل تستطيع القراءة؟ هل تملك قدرات عقلية كافية تنافس فيها أولئك القراء حولك؟ هل أنت في مصّافِ المثقفين؟ أم تأخرت عنهم جميعًا؟ لقد اقتنيت كتابًا يحمل من الصعوبة مايحمل هل تستطيع؟ انظر إلى من حولك قد انتهوا مما لم تنتهي منه…
وهكذا يغدو هذا الحل أيضًا مدعاة للقلق بذاته!
إن القلق لعنة لا حل لها على ما أعتقد!
تأكل العقل بلا توقف بلا توقف حرفيًا
أنت قلق بشأن ماتعلم ومالا تعلم
قلق مما تقاوم ومما لا تقاوم
قلقٌ حين تعاني وقلقٌ حين لا تفعل لأنك تظن أن في هذا خلل!
إن القلق حصارٌ لا يتوقف
أنت لا تصل إلى أي وجهة مهما فعلت أنت قلقٌ فقط
كل القمم تعني لك مرحلة للوصول لقمةٍ أخرى
تظنه ضربًا من الطموح ولكنه ياصديقي قلقٌ محض
أنت قلق بشأن طعامك أيضًا وماذا سترتدي اليوم وحتى بعد عام وهل قراراتك الان صحيحة وماذا عن تلك التي ستقررها بعد عام هل هي صحيحة أيضًا؟ هل ستحقق ماترغب أو ستظل ترغب به حتى الموت دون أن تتقدم له؟
أين؟ وماذا؟ وكيف؟
أنت قلق من جميع التفاصيل الممكنة،
أحداث الماضي وأمنيات المستقبل كلها دوائرٌ من قلق تحيط بك..
أنت قلق حد أنك تشعر أن عقلك قد بات يغلي من فرط التفكير،
عزائي لك..