أثقل من فرجينيا وولف

حين تكون الحجارة في قلبك لا جيبك

لم أعتقد يومًا أن الأرض قد تتوقف عن الدوران، ليس ونحن على ظهرها بشكل مؤكد! 

لكنها الان فعلت، توقفت وتوقفنا! 

كل ماكان يعج بالضجيج يعُمُّه الصمت الان، فتوقفها عن الدوران قد أوقف كل شيءٍ معه! حتى أصواتنا! 


حتى تلك الأحلام اللي ظننا سويًا أن تحقيقها سيعيد البهجة لذواتنا لم تعد ممكنة، بات الركض خلفها مستحيلًا وليس برغبةٍ منا جميعنا مُكرهين على ذلك! 

تُكبلنا القيود دون جُرمٍ فعلناه! نحن المسالمون قد اعتُقِلنا ولكن بطريقةٍ مختلفة، اعتُقِلنا داخل منازلنا وغُلِّقت دوننا الأبواب… 

معاقبون دون جرم وبلا قضية واضحة وليس هناك قاضٍ يصدر الأحكام نحن معتقلون فقط! 

وبات القيد يؤلمني، يقيد أطرافي بل تعدى ذلك القيد جسدي ونال الان من روحي، أنا مُكبّل.. 


لقد مضت السنين وأنا أركض خلف أمرٍ لا أعيه حقًا لكنني أركض، أهرب مني من قلقي من كل ما أشعر به، أُغلفُ أحزاني بالعمل حتى لا أعيها، وحين يسيطر الحزن على ملامحي أستطيع الاعتذار بالعمل المُنهِك والساعات الطويلة من الجلوس أمام شاشة الحاسوب فلا يقلقُ أحد! 

أغالب دموعي بالعمل بالأصدقاء بالخروج بعيدًا عني وعنها! 

أُخفي ما أمر به عن العالمين وأمضي في طريقي وحدي بكل قوة! لا أحد يعلم شيئًا ولا أحتاج شفقةً من الآخرين ولا يدًا تطبطب حولي أو حضنًا ألتجئ إليه رغم حاجتي الشديدة لكل ماذكرت! لكن لا تقلق لقد تجاوزت حقًا حتى بتُّ أستطيع إكمال المسير بدونها. 


لكن الان أنا مُعتقل! لا أستطيع الهروب وكل الأعذار واهية! أنا هنا الان أمامي! أمام كل شيءٍ قد هربت بعيدًا عنه! 

مهلًا! لقد علمت الان أن ذاك الألم الذي يسكن صدري منذ سنين ليس مما يصنفه الأطباء بالمرض! لقد كانت روحي تضرب الأضلاع مستنجدةً بي كي أتوقف وأرأف بها لكنني لم أفعل! لقد فهمت ذلك الان في سط كتابتي لهذه الرسالة لقد عاد الألم مجددًا! 

حسنًا لا تقلق مرةً أخرى دعنا نكمل مابدأنا به، 


منذ لحظة الاعتقال الأولى، غرقتُ في صمتِ مطبق بقيت وحدي في تلك الغرفة التي ظننتها دومًا ملجئي والان أصبحت عقابي.. 

لم أستطع تبادل الحديث مع الاخرين الذين يشاركونني دمي ومنزلي… 

كان الأمر صعبًا فقد خشيت أن تنطق روحي أن تخرج الكلمات من فمي دون أن أعي ذلك! خشيت أن لا أستطيع السيطرة مثل مافعلت دومًا، خشيت الضعف! 


دفعتُ بالأصدقاء بعيدًا كي أعيد التقاط أنفاسي وأعود لهم ضاحكًا مستبشرًا لكن هذا لم يحدث حتى الان رغم مرور أشهر منذ لحظة الاعتقال الأولى. 


أنا غارقٌ بي، أحمل في صدري ما لايُحمل! روحي منهكة! 

خرجت أمام عيناي مواقف عديدة وآلامًا مديدة ظننت أنني قد طويتها منذ سنين، لكنها تنخر بي! 

أفكاري 

مشاعري 

قلقي 

ترددي ويقيني 

أصدقائي 

عائلتي 

كل تلك الأمور باتت تثقلني ولا أعلم ما أفعل! 

ليس مجازًا لا، إنني أخبرك الان أن جسدي باث ثقيلًا جدًا باتت حركتي محدودة وظهري ينحني رغمًا عني حين أمشي فهو يحمل الكثير فوقه! 

حتى نَفَسي اللعين الان بات صعبًا، فأنا أحتاج لاستجماع قواي كي استخرج نفسًا واحدًا ضئيلًا.. 


لقد كنت قبل اعتقالي أنام طويلًا هل تذكر؟ لم أعد أفعل الان هل لك أن تتخيل ذلك؟ وكأن الكون يزداد تعذيبًا لي، لقد كان نومي هربي والان لم يعد كذلك.


أخشى أن لا أتمكن من الاستمرار أن أزداد ثقلًا فأسقط أكثر وأنت تعلم أنني لو سقطت مجددًا وبغض النظر عن حجم سقوطي لن أغفر لي ولن أقبل ولن أسامح! لن أبكي مجددًا لن أحزن! لن أخبر العالم أنني قد أحتاج إليه! وأخشى أن كل مايحدث الان يشير إلى أنني قد أفعل! 

اقتلني قبل أن أفعل أرجوك! هذا عهد الأصدقاء أن تبقيني قويًا أمام الجميع! موتي سيكون قوة! لن يعلم أحدٌ حينها حجم الهشاشة! 

أشعر أنك الان تقرأ وتهز رأسك بالقبول فأنت وعكس جميع الأصدقاء تحب أن تبقيني قويًا ساطعًا متوهجًا لذلك كنت تحتفظ بظلامي لك وحدك! 

أحبك جدًا، أعلم ذلك رغم أنني قد أخبرتك سابقًا أنني لم أعد أشعر تجاه أي شيء بأي شيء! لكنني أعلم رغم هذا الانطفاء أنك تمتلك في قلبي مالا يستطيع الحزن هدمه أو محوه يومًا! 


لا تقلق لا تبحث عن طريقة لقتلي، سأخبرك بما تفعل: 

أمسك بيدي ودعنا نمضي لذاك الشاطئ المظلم كما عهدته، تحدث معي كي نقطع ملل الطريق أرجوك وحين نصل دعني أكمل طريقي سيرًا لمنتصف البحر، لا تقلق لن أقاوم فأنا لا أعرف السباحة ولم أرغب يومًا في تعلمها من أجل هذه اللحظة!! 

لا تملأ جيوبي بالحجارة ستقوم روحي بسحبي للأسفل لا تقلق فأنا ثقيل، ثقيلٌ جدًا… 


يبقى الان أن تبحث عن قصةٍ ما تخبرها عائلتي، كن لطيفًا معهم أرجوك، 

اختلق قصةً بطولية تغلف بها وفاتي، هم اعتادوني بطلًا دعهم يكملون حياتهم على هذه الأرض بهذا الظن، ولتخبرهم أنني ورغم هذا البؤس قد احببتهم جدًا، وحافظت على دور البطولة كثيرًا من أجلهم لكنني لم أنجح، أنا منهك، منهك جدًا 

فليبقوا بخير،،


Join