مخالفة الدول لأنظمة منظمة التجارة العالمية لحماية أمنها القومي
لمنظمة التجارة العديد من الأنظمة والاتفاقيات، ولكن لهذه الأنظمة والاتفاقيات مبادئ أساسية تقوم عليها. واحدة من هذه المبادئ هي مبدأ المعاملة للدول الأخرى بدون تمييز تجاري إلا في استثناءات محددة تذكرها هذه الاتفاقيات.
التمييزات العنصري الممنوعة تجاه الدول الأخرى قد تكون متعلقة بالرسوم أو بتشديد الإجراءات أو في حرية عبور البضائع. فمثلا، إذا كانت دولة من الدول الأعضاء ستفرض رسوما على منتجات دولة معينة، فيفترض والحالة هذه أن هذه الرسوم ستفرض على منتجات الدول الأخرى.
هناك العديد من المبادئ والقواعد في أنظمة منظمة التجارة تضبط التعاملات بين الدول لتحقيق تعامل عادل بين الجميع.
مع ذلك يوجد مادة واحدة في الجات تعطي صلاحية للدولة بكسر اتفاقية منظمة التجارة العالمية، وهذه المادة هي المادة 21 والمتعلقة بالأمن القومي.
في السابق، وعلى مدى سنوات طويلة، لا يوجد حكم قضائي يفسر هذي المادة المتعلقة بالأمن القومي، وكانت هذه المادة مصدر قلق للدول الاعضاء، والسبب ان هذه المادة ممكن أن تقوض وتدمر فائدة منظمة التجارة.
كيف؟ أي دولة تريد أن تخالف أحكام منظمة التجارة يمكنها أن تقول بأنها فعلت ذلك لحماية أمنها القومي. بالمقابل، لو ان منظمة التجارة حجمت هذه المادة او لم تعملها فقد يؤدي هذا لجعل الدول الأخرى تنسحب من المنظمة لانه لا يوجد اهم من الامن القومي لكل دولة. لذلك الدول لا تستخدم هذي المادة في الدفاع عن تدابيرها ضد الدول الاخرى.
في عام 2019، صدر أول حكم من منظمة التجارة يفسر المادة 21 من الجات. وهذي المادة هي التي قلنا سابقا أنها تتكلم عن حق الدولة بالتذرع بحماية أمنها القومي في مخالفة اتفاقيات منظمة التجارة.
ماذا كانت القضية وكانت بين من ومن؟
كانت القضية بين روسيا واوكرانيا، وكما يعرف القاريء فإنه من عام 2014 وروسيا واوكرانيا تعيشان حالة توتر شديدة.
قبل الدخول في القضية لابد أن نوضح مشكلة روسيا وأوكرانيا..
روسيا سيطرت على ثلثين اوكرانيا بعام 1921، وكملت سيطرتها على الجزء الغربي أظن بعام 1935، وأصبحت أوكرانيا جزء من الاتحاد السوفيتي. في عام 1991 اعلنت اوكرانيا استقلالها عن روسيا. وطبعا اوكرانيا مهمة اقتصاديا لروسيا. ومايزال في قلوب كثير من الروس رغبة بضم اوكرانيا، واوكرانيا فيها جزء من الشعب يميل للروس ويرغب فيهم، لاسيما سكان شرق اوكرانيا.
روسيا تحتاج شرق اوكرانيا من اجل انابيب الغاز.
الشعب في اوكرانيا، في الغرب يعتمد ع الزراعة ويقال كثير منهم يرغب بالانضمام للاتحاد الاوروبي حتى يحصل ع المعونات اللي يقدمها الاتحاد الاوروبي. شرق اوكرانيا يعتمد ع الصناعة والمعادن، وروسيا تعتبر مهمة لهم كعلاقة تجارية.
ودائما ما يكون في اوكرانيا صراع انتخابي بين موالين روسيا وموالين اوروبا. موالين اوروبا يريدون عقد اتفاقيات مع اوروبا ولهم رغبة للانضمام لحلف الناتو (وهو خطير وحساس بالنسبة لروسيا لان الناتو عدوها) ودائما هناك ضغط من روسيا وموالينها الأوكرانيين لعرقلة التقدم في هذي المواضيع. وهذا سبب خروج مظاهرة كبيرة واحتجاجات. عام 2014 هرب رئيس الوزراء لروسيا بسبب الاحتجاجات، وسيطر مسلحين موالين لروسيا على المناطق الحدودية بين اوكرانيا وروسيا. روسيا احتلت شبه جزيرة القرم. ونقلت الجنود والاسلحة الثقيلة والصواريخ للحدود. وامور كثيرة.
قالت روسيا لمنظمة التجارة بأن هذه التدابير هي لحماية أمنها القومي، وما دام أنها لحماية أمنها القومي فلا يحق لمنظمة التجارة مناقشة القضية ولا النظر فيها حسب رأي روسيا.
أمريكا التي تسيدت العقوبات على روسيا والتي تقدم الدعم لاوكرانيا وقفت هذه المرة بصف روسيا وقالت بان روسيا محقه، ومادام تدابيرها هي لحماية امنها القومي فلا بحق لمنظمة التجارة النظر في القضية.
لكن ماذا قالت اللجنة وقررت؟
قالت اللجنة أن كون الدولة تدفع بأن سبب إجراءها هو لحماية أمنها القومي لا يعني أن اللجنة ليس لها حق النظر والتأكد، بالعكس لها الاختصاص. إذا ما هو حدود نظر اللجنة؟
قالت اولا: صحيح ان المادة 21 قالت بأن لكم الحق بتحديد مصالحكم الامنية ولكم الحق بعدم افشاء الاسرار المتعلقة بامنكم القومي لكن مع ذلك لكي يحق للدولة أن تستخدم المادة 21 لابد أن لا تستخدمها الا في ثلاثة حالات منصوص عليها في المادة 21 وهذي الحالات الثلاث هي:
(المواد الانشطارية، الاسلحة والذخيرة، واخير اذا كان هناك حالة طوارئ بالعلاقات الدولية) فاذا اجراءكم ليس علاقة بالاسلحة، وليس له علاقة بالمواد الانشطارية، وايضا حينما فرضتم التدابير لم تكن بوقت فيه حالة طارئة في العلاقات الدولية بين البلدين فليس لكم حق استخدام المادة 21.
وايضا نحن اللجنة لنا حق النظر في هل تدابيركم نفذتموهت بحسن نية؟ وهل هي معقولة لحماية الامن القومي والا غير قابلة للتصديق!؟
بدأت اللجنة تفحص الحالة بين روسيا واوكرانيا ووجدت انه فعلا يوجد حالة طوارئ في العلاقات الدولية، وجدت اللجنة ان هناك تحرك للجيش الروسي، ونزاع مسلح بين الحكومة الاوكرانية وموالين روسيا، وطائرة ماليزية اسقطت في المنطقة المتنازع عليها، واحتلال للقرم، واستيلاء روسيا ع سفية اوكرانية، فالوضع لم يكن طبيعيا، واحتمالية قيام روسيا باعلان الحرب ع اوكرانيا كان وشيكا..
قالت اللجنة بأننا هنا فعلا امام حالة طوارئ في العلاقات الدولية، وتعريف حالة الطوارئ كما قالت اللجنة (حالة نزاع مسلح، او نزاع مسلح كامن، او توترات، او ازمات متصاعدة، او عدم استقرار عام يغمر دولة او يحيط بها)
لذلك لروسيا الحق في هذي الفترة انها تستخدم المادة 21 وتحدد ماهو مضر على مصالح امنها القومي ، ولاسيما ان روسيا لم تفرض هذي التدابير إلا بعد قيام الازمة، ففعلا اختيارها للتوقيت يعكس انها كان بسبب الازمة.
وقالت اللجنة ايضا، ان مجرد النزاع السياسي والاختلافات وحدها غير مبررة لاستخدام المادة 21 لانه من الطبيعي والمتوقع ان الدول يحصل بينها خلافات بين فترة وفترة، لذلك لاتستخدم المادة 21 الا في الحالة اللي ذكرناها.