هل جرّبتَ يومًا الانتقال من حال إلى حال، أم هل جرّبتَ أن تسير حياتكَ على وتيرة واحدة، وفجأة من دون مقدّمات تراها تتحول، ويصبح الماضي سرابًا لا وجود له؟! كل ما حولكَ يقول لكَ لابُدَّ من البَدْء من الصفر، هذا هو ذاته ما حدث معي، فتابعني أخبركَ تفاصيله.

الصدمة!

من أنتِ، من أين أتيتِ؟ هذه هي الأسئلة التي سمعتها من شخصيات كثيرة لا أعرفها، ولا أعرف كيف ذهبتُ إليها؟!

نمتُ ليلتي في مكان ومع بزوغ شمس الصباح التالي كنتُ في مكان لا يمُتّ له بصلة. أحسستُ كأنّي شخصية في كرتون أليس في بلاد العجائب. هذا الكلام وأمثاله يمكن حدوثه في قصص من اختراعنا تكون بدايتها ونهايتها بأيدينا، لكن الأمر هنا مختلف، هل تعرف كيف؟ اسمح لي بإخبارك: هذا المكان ليس خياليًّا، بل به أناسٌ حقيقيّون، يأكلون ويشربون ويتكلمون مثلي تمامًا.

هذا الواقع الذي عشته منذ اليوم الأول الذي وطئتْ فيه قدماي البلاد التي أنا بها الآن. أنظر إلى العيون، أُتابع الأفواه علّني أفهم ما يرمون إليه، ولا أقصد بذلك أنّني لا أفهم اللغة التي يتحدثونها، لكنني أُحس بغربة داخلية، وهي ذاتها التي جعلتني أنزوي في مكان بعيد، لا يراني فيه أحد.

بداية التّعايش

استمر الحال هكذا قُرابة سنة، بعدها بدأتُ الذهاب إلى الأسواق بُغية التعرّف إلى المكان وأهله، لستُ اجتماعية بطبعي لكن ظروفي وقتها حتّمتْ عليّ ذلك. لأن الحياة في كثير من الأحيان تضطرنا لفعل أشياء لم تكن في خيالنا يومًا، ولم نُلقِ لها بالًا، لكن مع مرور الوقت وبالتعوّد عليها، تصبح طبيعية وروتينية، جزء لا يتجزأ من يومنا.

خلاصة التجربة

والآن وبعد مرور سنين طويلة، أحمد الله الذي أتاح لي هذه الفرصة للتعلّم والانخراط في ثقافة جديدة لم أكن لأعرفها إلا بالسفر.

وكما قال الإمام الشافعي

تغرّب عن الأوطان في طلب العُلى

وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفرُّج همّ واكتساب معيشة

وعلم وآداب وصحبة ماجد

فحاول قدر المستطاع -عزيزي القارئ- أن تأخذ من غيركَ ما ينفعكَ دون الذّوبان فيه وفي أصوله، لأن ما يكون جيدًا في نظر غيركَ ليس شرطًا أن يروق لكَ والعكس.