5 أسباب للنجاح في بلاد الغربة

كنتُ أجلسُ على أريكة منزلي ذات يوم، أتنقّل بين صفحات رواية بوليسيّة شيّقة، وصلتُ فيها للجزء الثالث، لا أعرف كيف يمرُّ الوقت عندما أبدأ بقراءتها، أحتسي كوب القهوة، وتذهب بي بعيدًا إلى عالم لا أريد أنْ تكون له نهاية.

ماذا دهاكِ

فارقتُ الأهل والأحباب

وبينما أنا كذلك، إذْ سمعتُ صوت رنين الهاتف يقطع عليّ جمال لحظاتي. أجبْتُ عليه، لم أكنْ أصدّق ما أسمع، إنَّها رفيقة أجمل أيام حياتي -أيام الجامعة-، أخذنا نتجاذب أطراف الحديث وتسأل كلّ منا الأخرى ماذا حصل لها منذ ذلك الوقت؟ مضتْ ساعة ونحن نتكلّم، فجأة تغيّر صوت صديقتي، وخنقتها العَبرات. 

قلتُ لها: ماذا دهاكِ، ما الخطْب، هل أستطيع مساعدتكِ؟ قالتْ لي في صوت لا يكاد يُسمع: إنَّها فارقتْ الأهل والأحباب، وأتتْ إلى غربة لا تعرف فيها كيف تتصرّف، وما عساها تفعل في بلد جديد عليها تختلف تمامًا عن المكان الذي وُلدتْ ونشأتْ فيه؟!

قلتُ لها: ماذا دهاكِ، ما الخطْب، هل أستطيع مساعدتكِ؟

زينب حسين

طمأنتُها وقلتُ لها: لا عليكِ يا صديقتي، فأنا لديّ خبرة ليستْ بالقليلة في بلاد الغربة، وسأخبرك أختي الفاضلة والقارئ الكريم بــــ 5 أشياءَ إنْ طبّقتها، ستكون -إن شاء الله- أسبابًا للعَيْش بسلام وسعادة ونجاح، فأعيريني سَمْعكِ وانتباهكِ، وافهمي جيّدًا ما سأقوله.

أولًا: ثِقْ بربكَ ثمّ بنفسكَ


عندما نثق بالله فهذا يشير إلى استسلامنا وخضوعنا، ومعرفتنا يقينًا أنَّ ما أصابنا لم يكن ليُخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا وأنَّه عز وجل معنا دائمًا؛ لذلك سنسير في هذه الدنيا بخطًا ثابتة واثقة صحيحة؛ لأنَّ قلوبنا تعلّقتْ بقوة أكبر منها. 

وثقتنا بأنفسنا تعطينا تصالحًا معها، فلا نذهب بها إلا إلى المكان الذي تستحقه، وهذا يجعلنا نفعل أشياء يراها غيرنا مستحيلة، لكننا نراها ممكنة، إذا حاولنا ما بوسعنا ونظرنا إلى أنفسنا نظرة رضا.

ثانيًا: تعلَّمْ شيئًا جديدًا ومفيدًا


و تعلّم شيء جديد ومفيد لا غنى عنه. فالعالم اليوم في تطوّر رهيب، كل يوم يخرج لنا شيئًا لم نكنْ نعرفه قَبْلًا، فإنْ لم نواكب العصر ولم نطوّر من أنفسنا فسنكون حتمًا في مؤخرة الرَّكْب، وليس جيّدًا أنْ لا تعرف ما يدور حولكَ، والسبيل الوحيد لذلك هو التعليم.

فلنتعلّم شيئًا جديدًا نستفيد منه ونُفيد به من حولنا، ويخرجنا من براثن الجهل والضلال إلى دنيا العلم والمعرفة، وأنْعمْ بها من دنيا!

ثالثًا: الصبر الصبر فهو مفتاح الفرج


وهل للغربة دواء غيره؟! لا أعتقد. هو بلسم الجراح، طبيب الآلام التي لا يستطيع مداواتها أطباء العالم كلهم.

من دونه الحياة مريرة، لا معنى ولا طعم لها. وحده يستطيع انتشالكَ ممّا أنت فيه من تعب وكدر.

لكن عليكَ التّحلي به في كل أوقاتكَ، إنْ أحسستَ يومًا أنَّ قِواكَ قد ضعُفتْ تذكّرهُ وسيُرجع إليكَ ما فقدته، وسيُحاول لَمْلمة ما تبقى منكَ، فاحذر نسيانه!

رابعًا: ساعِدْ.. تُساعَدْ


هذه النقطة أستطيع تسميتها بالعصا السحرية في بلاد الغربة، حلٌّ لمعظم المُشكلات إنْ لم تكنْ كلّها. إذا لم تستخدمها ستكون في ضياع لا حدود له.

لا أحد يُمكنه الحياة وحيدًا، فالإنسان اجتماعيّ بطبعه، ولكن تذكّر -أيُّها القارئ الكريم- أنْ لا أحد يُحبّ الأنانيّ الذي لا يُفكّر إلا في نفسه. مَنْ أراد مساعدة فعليه بالمُبادرة بمثلها، قانون الحياة هكذا، إعْطِ تُعْطَ.

ساعد ولو بالكلمة الطيبة إنْ لم تملك غيرها، وهي -أي الكلمة الطيبة- كما قال عليه الصلاة والسلام صدقة. وفي قلوب العباد أثمن من الدنيا وما عليها. وعندما تمدُّ يدكَ لأحد، تأكّد أنَّه سيأتي عليكَ يوم تجد مَنْ يردّها لكَ حتى دون أنْ تطلبها. فسابق بالخير، تلقَ جزاءه.

وهي -أي الكلمة الطيبة- كما قال عليه الصلاة والسلام صدقة

الرسول عليه الصلاة والسلام
خامسًا: استمتع بكلّ لحظة تمرّ عليكَ


الحياة لحظات، ما الجَدْوى إذا انتهتْ في حزن وهمّ، من الخاسر هنا؟! بالتأكيد أنتَ لا أحد سواكَ.

اغتنم هذه السُويعات في سعادة ومتعة، حتى وإنْ كانت حياتكَ لا أمل لها بذلك. اِخْتلقْ ساعات الفرح اِخْتلاقًا، اذهبْ أنتَ إليها ولا تنتظر مجيئها إليكَ. وإلا سترى الأيام تمرُّ بعد الأيام، لا تدري كيف مرّتْ، ولا بأيّ حالٍ انقضتْ. وما مضى هيهات هيهات له الرجوع.

وتنشد قائلًا: قفا نَبْكِ من ذكرى حبيب ومنزلِ

امرؤ القيس

ختامًا -عزيزي القارئ- هذه خلاصة سنوات قضيتُها في اغتراب، حاولتُ إيجازها قدر المستطاع لمنْ أراد الاستفادة منها.

هي أسباب تجعلكَ تتغلّب على إحساس الألم لمفارقة الدّيار، وفي الوقت نفسه تحُثّكَ على العَيْش بتفاؤل وارتياح دون إجبار نفسكَ بالجلوس في زاوية نائية، تقف فيها على طللِ، وتنشد قائلًا: قفا نَبْكِ من ذكرى حبيب ومنزلِ.

والآن أخبرني: هل ستحسُّ بضيق ووحدة في بلاد الغربة بعد ما بيّنته لكَ من سُبل النجاح فيها؟