تجربتي مع تدقيق 65 مقالة


كنتُ أتجوّل مع صديقتي في أحد أسواق مدينتا، وإذا بها تقرأ كلّ لافتات الشّوارع والأماكن التي ندخلها. وبينما هي كذلك، فجأة توقفتْ ولم تُحرك ساكنًا، وعندما سألتها: ماذا دهاكِ، هل أنتِ على ما يُرام؟! قالتْ لي: إقرأي المكتوب في الأعلى هناك وستعرفين ماذا بي. قرأتُ الكلام المكتوب على لافتة باب من أبواب مَحالّ السوق، وإذْ بي أُفاجأ بكمية الأخطاء اللغوية فيه. سألتني صديقتي: ما رأيكِ يا مدققة، أليس من حقيّ ما رأيتِ على وجهي؟!

سألتني صديقتي: ما رأيكِ يا مدققة، أليس من حقيّ ما رأيتِ على وجهي؟!

زينب حسين
حلم طال انتظاره:

التدقيق بالنسبة لي كان حُلمًا راودني منذُ سنين طويلة، لكن لم أكنْ أستطيع تحقيقه؛ لانقطاع السبل إليه. سبحان الله! يشاء العليم القدير أنْ أحصل على الفرصة التي لطالما حلُمتُ بها السنة الماضية، وبعدها تحاورتُ مع زملائي في كيفية تطبيق ما تعلمناه حتى لا ننساه، وكيف أستطيع دخول المجال الذي طال انتظاره، ولم أكنْ أعرف أنَّه هو نفسه من سيوقظ بداخلي شَغَفًا كنتُ أحسبه اندثر لتقادُم الزمان، ولكن هيهات لشيء أراد الله له البقاء بالاندثار، ذلك هو حبّي للكتابة.

بداية تعلّم الكتابة:

لم أكنْ أعرف كيف تُكتب مقالة ولا كيفية الشروع فيها إلا بعد عملي مُدققة لغوية في موقع طبي. نعم هذه حقيقة وليستْ حكاية من نَسْج الخيال. لأنَّني أقرأ كلّ كلمة في مقالات أولئك الكتّاب الأفاضل، بل كلّ حرف فيها، عملي يستوجب عليّ ذلك. ولا أُبالغ حينما أقول إنَّني تعلّمتُ منهم الكثير ما جعلني الآن أكتب هذه السطور بكل يُسْر وسهولة، وأيضًا أفكر بأنْ أكون كاتبة مثلهم.


التدقيق والكتابة:

رُبَّما يتبادر إلى ذهن أحدكم سؤالًا: وما دَخْل التدقيق بكل هذا؟ وهذا جوابي أقول: عندما تتنقّل بين أسطر مقالة معيّنة، فإنَّكَ لا تقرأ فقط مُجرّد أحرف مرصوصة بجانب بعضها، إنَّما تقرأ فِكْر الكاتب، طريقته، روحه، وهذا هو بالضبط أساسيات الكتابة. في البَدْء يكون التفكير ثمّ يتطور إلى رسمه وكأنَّكَ ترسم خارطة طريق، وهذا كلّه لن يَخْلو من إضفاء روح صاحبها عليها؛ لأنَّها ما هي إلا جزء لا يتجزأ منه.

اهتماماتي:

التدقيق جعل اهتمامي لا يَنْصبَّ بالتركيز على صحّة هذه الكلمات، نحويًّا ولغويًّا فقط، بل علّمني أبعد من ذلك، وهو التدقيق في تناغُم الكلمات معًا، وكأنَّ الكاتب ينسج مِعْطفًا من خيوط حرير، لا تَملُّ النظر إليه، ولا الاستمتاع بتمرير يدكَ عليه.

التفكير والتريّث:

علمني تدقيق المقالات التّفكير في كل كلمة قبل نطقها، أو حتى مُحاولة صياغتها؛ كلامي يُمثّلني، لذلك عليّ التريّث ومعرفة جيّده من رديئه قبل كتابته. وكما قيل: فلا تكتبْ يمينُكَ غير خط

يسرُّكَ في القيامة أنْ تراه.

وكما قيل: فلا تكتبْ يمينُكَ غير خط

يسرُّكَ في القيامة أنْ تراه.

أقرأ مقالة تِلْو الأخرى، كظامئ لا يرتوي من عطشه أبدًا. العناوين خاطفة، الأسلوب راقٍ، ناهيكَ عن الانسيابيّة التي تأخذني من فقرة لأخرى من دون أنْ أدري، لا أرى نفسي إلا وأنا في نهاية المقالة التي كنتُ أدققها.

ولادة كاتبة:

والآن بعد هذه الكميّة من المقالات التي وصلتْ إلى 65 مقالة، أستطيع القول إنَّها أيقظتْ في داخلي ذلك الشَّغَف الذي كنتُ أحسبُني نسيته.

يا لها من لذّة لا تُعادلها لذّة، ولا له من شعور لا يكاد يوصف، عندما تُحسُّ أخيرًا أنَّكَ وجدتَ ضالّتكَ المنشودة. إنَّها مشيئة الله وقدرته أولًا، ثُمَّ إرادتي التي تجعل من كلّ مستحيل مُمكنًا.

لا تخاذُل ولا استسلام، إنَما ثقة وتوكّل على الواحد المنّان سبحانه وتعالى.

Join