مرحلة الماجستير

التعامل مع النفسية ... “يا نفسية”!

نصائح متخرج حديثًا

لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها

خلال دراستي لمرحلة الماجستير في المملكة المتحدة، مررت بالعديد من الصعوبات والعقبات، منها الدراسي ومنها النفسي ومنها دون ذلك. وفي ظل الصعوبات النفسية على وجه الخصوص... تهتُ في الأرض والإنترنت باحثًا عمّن يقوم بطمأنتي... عمن يقول لي أن شعوري طبيعي وأن هذه العقبات لن تسبب لي الرسوب. باءت محاولات البحث بالفشل حينها، وهو ما دفعني إلى كتابة هذه المدونة التي ستركز على العقبات النفسية التي قد يواجهها طالب الماجستير. وقد حاولت التحدث بشكل عام بغض النظر عن تخصصي (القانون) ... راجيًا أن تفيد المدونة أي شخصٍ قد يمر بمثل هذه الظروف.


بسم الله أبدأ!


المهرج الوحيد في الفصل!

لاختلاف اللغة، واختلاف طريقة الدراسة عن مرحلة البكالوريوس؛ قد تجد نفسك مرتبكًا أثناء المحاضرات الأولى، خاصة عندما تنظر حولك وتجد زملاءك يتفاعلون مع المحاضِر ويطرحون الأسئلة والآراء كما لو أنهم استوعبوا الدرس كاملًا.


إن حدث ذلك، فقد يكون هذا العامل من أهم أسباب شعورك بالقلق البالغ، كما لو أنك الوحيد الذي لم يستوعب المادة العلمية، وقد تبدأ وساوس الرسوب مبكرًا جدًا!


الأمر المطمئن: لستَ وحدك! من تجربة شخصية كان هذا الشعور السلبي ملازمًا لي في بداية المرحلة، أما على نهاية الفصل الدراسي الأول ... فقد اتضح - ولله الحمد - حصولي على درجاتٍ تفُوق درجات أولئك المتحدثين البارعين في المحاضرة، بل إن بعضهم كان على حافة الرسوب!


لا تقس إذًا فُرص نجاحك بناءً على ما يبديه لك زملاؤك، ولا تعتمد على الانطباع الذي تأخذه منهم كثيرًا. ما عليك فعله هو التركيز على ذاتك بالاجتهاد وتقديم أفضل ما لديك.


القراءة دون فهم رغم ثقتي بلغتي الإنجليزية

بعد صدمة المحاضرة والزملاء، كنت أعود إلى كُتبي لأجد سببًا آخر للذعر: إنني لا أفهم الكتب التي عليّ قراءتها للنجاح رغم ثقتي بلغتي الإنجليزية! كأنها إنجليزيّة أخرى غير تلك التي درسناها في المعهد! استمرّت معاناتي مع القراءة حتى نهاية الفصل الدراسي الأول، وحتى ذلك الحين لم أكن أستوعب كل ما أقرأ، بل وراودتني الشكوك أحيانًا حول ما إذا كانت الأجزاء المفهومة ... مفهومة بشكلٍ صحيح!


الأمر المطمئن: اتّضح أنه ليس عليّ فهم كل ما تحتويه الكتب والمراجع الموصى بها، بل لم يتوقع منّي أساتذتي ذلك! نجحتُ في الفصل الدراسي الأول بدرجاتٍ جيّدة رغم الاختبارات المقالية التي تتطلب مهارة كتابية عالية فضلًا عن فهمٍ جيد للمراجع. إضافةً، فقط كانت القراءة أسهل كثيرًا في الفصول التالية.


استمر في محاولة فهم الكتاب أو الورقة العلمية التي عليك قراءتها. ترجم المصطلحات الصعبة ودوّن معانيها في الهوامش. اقرأ المرجع مرة واثنتين... بعد عدد من المرات ستجد مهاراتك قد تطورت. من الجيد أيضًا أن تجرّب القراءة في تخصصك خلال مرحلة تعلم اللغة.


قائمة بطول ١٧٦م من المراجع!

قد تفاجأ بقائمة طويلة من الكتب والأوراق العلمية التي تُعطى لك لقراءتها كمنهجٍ دراسي. فضلًا عن صعوبات القراءة لاختلاف اللغة، كان عدد المراجع التي أوصى بها أساتذتي لفهم المادة مُفجعًا... بل موجعًا! قائمة طويلة من مئات الصفحات تستغرق قراءتها أسابيعًا عديدة! كيف يمكنني قراءة هذا الكم قبل بداية الأسبوع الجديد الذي سنُمنح فيه قائمة إضافية تماثلها طولًا!


الأمر المطمئن أنّه لم يكن على أحدٍ قراءة كل تلك المراجع حتى ينجح ويتفوق. تخرّجتُ بدرجاتٍ جيدّة دون أن أنتهي من قراءة قائمة واحدة من تلك القوائم.


عندما تُعطى قائمة بالمراجع وتودّ اختيار بعضها للقراءة... اعرف مسبقًا ماذا تضيف هذه الورقة العلمية لثقافتك الحالية عن الموضوع؟ المواضيع الكبرى دائمًا تتشعب إلى مواضيع أصغر منها، وكل ورقة علمية تتحدث عن فرعٍ صغير من تلك الفروع. عليكَ إذًا تحديد ما إذا كان الفرع الذي تتحدث عنه الورقة العلمية هذه بالذات مهمًا لك في الوقت الحالي. أحيانًا يكون عليكَ فقط قراءة جزء من الورقة لا كلها. هذه مهارة أخرى تتطور مع الوقت... لا تقلق لعدم إتقانك لها منذ البداية.


العلاقات داخل الصرح الأكاديمي: صاحب المرشد الأكاديمي

مع كل هذه الضغوطات النفسية والضياع والتشتت، كان لزامًا عليّ أن أجد من يرشدني كيف أدرس ويطمئنني حيال المصاعب التي مررت بها. هنا أتى دور مرشدي الأكاديمي.


وظيفة المرشد الأكاديمي تتلخص في العادة في تقديم الدعم اللازم للطالب في شؤونه الدراسية والحياتية. لا يقوم المرشد في العادة بتقديم نصيحة مخصصة في مادة دراسية معينة، إنما يرشدك لوسائل وطرق تعينك على تجاوز مصاعبك ومخاوفك بنفسك.


لا تخجل ولا تتكاسل عن طلب يد العون إن شعرت بالغرق. المرشد - في العادة – لديه الخبرة الكافية لإنقاذك وبث الأمل فيك.


الأصحاب: “تعال أشبعك حب أشبعك حلطمة!”

تحدثت فيما سبق عن الضغط الذي يولّده الزملاء... من الجيد إذًا أن أتحدّث أيضًا عن الجانب المشرق منهم. صديقي "ع" وصديقي "ب" كانا رفقائي العزيزين خلال هذا الضغط الدراسي والغربة الموحشة. كان لقاؤنا الأسبوعي مخففًا عنّا لهذا الحمل الثقيل. كانت لقاءات شكوى و" حلطمة" متبادلة مريحة!


ألم يقولوا قديمًا أن "الموت مع الجماعة رحمة"؟ مشاركة القلق رحمة أيضًا.


من الجيد أن يكون لك صديقٌ أو اثنين للترفيه عنك والترفيه عنهم. احذر العزلة التامة، واختر أصدقاءك بعناية.


إنه ويك إند لذيذ وجيد!

كانت هنالك شائعة قوية أسمعها... تقول أنّه لا وقت للاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع، ومن يرتاح سيندم، وقد تعززت هذه الشائعة في جوفي مع الكم الهائل من المراجع سالفة الذكر.


قد يتسبب الضغط الدراسي والقلق الناجم عنه في قيامك بالدراسة كل يوم حتى خلال عطلة نهاية الأسبوع. احذر! هذا منعطفٌ خطير قد يتسبب في إرهاقك بشدة إلى أن تخور قواك وتترك الدراسة كُليًا!


الاجتهاد أمر حميد، لكن الراحة ليست مضيعة وقت! الراحة مهمة حتى تستمر في الكفاح. الفراغ مهم حتى يستعيد دماغك نشاطه، ويستعيد فؤادك حماسته.


حاول أن تدرس ٥-٦ أيام في الأسبوع على الأكثر. يوم واحد للراحة لن يضرك، لكنه سيفيدك كثيرًا.


شيء أفضل من لا شيء

في ظل تراكم المهام الدراسية الكثيرة، ونظرًا لتقاعسي أحيانًا خلال الترم بسبب الملل والإجهاد، انتابتني مشاعر الخوف من الفشل والرسوب. أستيقظُ صباحًا باحثًا عن الهمة المعتادة التي تجعلني أقضي ساعاتِ يومي في المكتبة دون جدوى... أنا الذي كنت أمضي صباحي وليلي فيها! ما العمل؟ أأنا في ورطة؟!


الحقيقة أني لم كذلك ... من الطبيعي كإنسان أن تعاني من الإعياء والإجهاد مما يجبرك على ترك الدراسة... لأيامٍ أحيانًا!


 لا تقلق من ذلك كثيرًا، ولا تنتظر أن تعود همتك التي كانت تجعلك تمضي جُلّ يومك في الدراسة. يُقال بالإنجليزية: “Done is better than perfect” ... أو كما أحب أن أصيغها بطريقتي: شيء أفضل من لا شيء، والعمل المنجز أفضل من العمل الكامل".


إن لم تستطع أن تدرس على أكمل وجه وتقرأ ٥ مقالات علمية في اليوم كما كنت تفعل سابقًا، فاكتفِ بمقالة واحدة على الأقل لأن الشيء أفضل من اللاشيء، ولأن مقالة واحدة منجزة أفضل من ٥ مقالات لم ينجز منها شيء! (وصلت الفكرة؟)


التنويع في مكان الدراسة (البيت، المكتبة، المقاهي) من الأمور التي يمكن أن تساعدك على الإنجاز عند الملل الشديد.


رتب حياتك وعلاقاتك قبل الماجستير

الدراسات العليا تتطلب مجهودًا ذهنيًا عاليًا لا تشوشه نفسية مرهقة ولا علاقات سامة. رتّب علاقاتك بأهلك وأصدقائك وزملائك وكل من له تأثير على حالتك النفسية والذهنية. حدد لهم وسائل وأوقات معينة للتواصل معك وألزمهم باتباعها. تخلص من أي علاقات سامة لا تنفعك.


تحتاجُ أن تكون قويًا بذاتك، ليس هذا وقت العلاقات السامة.


إبقاء الشقة نظيفة، والمهام الروتينية تنجز أول بأول.

من المهم ألا تتراكم عليك المهام العادية كتنظيف البيت وملء الثلاجة بالطعام وغسيل الملابس الشخصية وما إلى ذلك. حتى وإن كنت مشغولًا في دراستك... إنجاز تلك الأمور يعطيك شعورًا بالسيطرة على مجريات حياتك مما ينعكس إيجابًا على حالتك الذهنية المهمة لاستمراريتك في الدراسة والعمل.


كانت هذه خلاصة تجربتي النفسية مع الماجستير. آمل أن تكون قد خففت عنك - عزيزي الطالب - عبء الضغوط النفسية. ستنجح قريبًا بإذن الله وستنسى كل ذلك ولن يبقى من ذكرى التجربة إلا شروقها!


سأتحدث في مدونات مستقبلية – بإذن الله – عن تجربة دراسة القانون في بريطانيا على وجه التحديد، وعن بعض العقبات في كتابة الرسالة العلمية إلى غيرها من المواضيع. كونوا بالقرب!

حسابي على تويتر: