تخلّى

الحياة رحبة، لا تكن عالقاً في مشهد نافذتك القديمة مهما كان بالغ الجمال، لا تكن أسيراً.

سابقاً كتبت تدوينة عن (التعلّق) في إطار العلاقات، لكن في هذه التدوينة سأكتب عنه بشكلٍ عام، وذلك لأني مؤخراً اكتشفت شدّة تعلقي في الأشياء ولاحظت أنَّ لذلك أثر سيء علي، فجلست لبعض الوقت مع نفسي أفكر في الأسباب وطرق التخلّي حتى أتخفّف من عبئهِ علي، ومن خلال هذه الجلسة والتفكير المطوّل كتبت بعض الأسئلة التي ساعدتني في إيجاد الأجوبة المطلوبة والتي ساهمت في بدء رحلة جديدة مع التخلّي.

أولاً أنا أعني بكلمة (التعلّق) شدة التشبّث بالأمور وسواء كان ذلك في التكرار أو الإصرار على إكمالها، أو حتى التمسّك بها شعورياً.. وسأذكر بعض الأمثلة التي ستوضّح المعنى من كلامي.


-التكرار:

وأعني بذلك تكرار المحاولة في سبيل الحصول على شيء، أو تكرار السؤال في سبيل الحصول على إجابة.

-الإصرار:

أي الإصرار على معرفة شيءٍ ما من خلال كثرة الأسئلة أو البحث خلف الأمور، أو حتى الإصرار على معرفة شيء مخفي لم يُقال لك أو تراجع الشخص عن قوله.

-التمسّك:

أي كثرة التفكير في الشيء، أو محاولة المحافظة عليه بشتّى الطرق، ويأتي أحياناً على شكل الاهتمام المفرط.

(وهذه الأمثلة تنطبق على العلاقات، وحتى في الأشياء الأخرى)

قد يخطر في بالك حين قراءتك لكلامي (أين المشكلة في الإصرار في سبيل الحصول على شيء، أو في سبيل تحقيق طموحي؟)

حسناً.. أنا لا أقصد بكلامي كثرة السعي لتحقيق الطموحات أو غيره، إنما أقصد الإصرار السلبي الذي يؤثر على نفسيتك ومزاجك.


-وما معنى الإصرار السلبي، وما أسبابه؟

باختصار هو أي تصرف تكرره بشكل يؤثر على مزاجك.. مثلاً تكرار رؤية أمر مزعج، أو تكرار سؤال تعلم بأن إجابته ستزعجك، أو البحث المستمر خلف شيء يسبب لك الحزن.

وأما عن أسبابه فببساطة التعلّق يؤدي لذلك، عندما تتعلّق بشخص أو بشيء ستصر على البحث خلفه والتمسّك به.

لنأتي للسؤال المهم.. كيف يؤثر التعلّق علي؟


 كثرة التمسّك تورث القلق، وأعني القلق الشديد.

 ويؤدي هذا إلى إعطاء أهمية أو الإفراط في الانتباه والتركيز على أمور لا تستحق.

أو سيسبب لك خوف مستمر من ضياع ما تحبه، وللأسف لن تستمتع بوقتك بسبب هذا القلق.. بالتالي لا أنت الذي عشت معه، ولا أنت الذي استفدت من قلقك اتجاهه إنما فقط عكّرت صفو مزاجك.


 يؤدي لكثرة التفكير (وهذا ما نكرهه جميعاً)

وكثرة التفكير تجعلك تختلق أفكار في رأسك قد تكون غير صحيحة بالتالي تقوم بفعل تصرفات خاطئة بناءً على هذه الأفكار، ويؤدي هذا لخلق ضغط كبير على الشيء أو الشخص، والأهم عليك أيضاً!

وهذا الضغط يكون على شكل (أسئلة مكررة، اهتمام مفرط، وللأسف يكون على شكل غضب غير مبرر في أحيانٍ أخرى) 


كثرة الإصرار قد تؤدي لحدوث نتائج عكسية.

مثل حدوث خلاف في العلاقات (لأن كما قلت سابقاً يحدث ذلك بسبب الأفكار الخاطئة التي قد تجعلك غاضباً بلا سبب مما يؤدي لحدوث سوء تفاهم)


تنسى قيمة نفسك وتسمح بمعاملة لا تُناسبك (بالنسبة لي يُعد تأثير سيء للغاية)

كيف يؤدي التعلّق لذلك؟ ببساطة حين تتمسّك بشيء بشدّة ستُلاحقه وتنسى نفسك، بالتالي ستقبل بمعاملة لا تُناسبك من أجل أن يبقى في حياتك.

وأيضاً كثرة المحاولة مع الأشخاص للأسف تعلمهم التهاون في حقك؛ لأنهم سيُلاحظون تعلقك ويتأكدون من وجودك الدائم من خلال محاولاتك وكثرة تعبيرك لهم.

(بالطبع ليست قاعدة فهناك أشخاص يُقدّرون مشاعرك، لكن كلامي موجّه للأشخاص الذين يتغيرون بعد معرفة مشاعرك اتجاههم)


بعد معرفة هذه النقاط قد ترغب في بدء رحلتك أيضاً، لذا سأكتب بعض الأسئلة التي قد تساعدك في ذلك.


1/ ما سبب تعلقي في الأشياء والأشخاص؟

قد يكون نتيجة صدمات، فراغ، عاطفة شديدة.


2/ كيف يؤثر التعلّق علي؟

قد يكون كما كتبت سابقاً أو تأثير آخر.


3/ هل هذا التأثير مرغوب بالنسبة لي؟

بحال كان غير مرغوب، إذاً ابحث عن طرق للتقليل منه أو تركه نهائياً.


4/ كيف أجد طرق تناسبني أو تساعدني؟

أولاً عليك أن تفهم ذاتك وشخصيتك وهذا سيساعدك في إيجاد طرق مناسبة.

كيف أفهم نفسي؟ من وقت لآخر اجلس جلسة مطولة مع نفسك فقط واستكشف شخصيتك وتصرفاتك ومع الوقت ستفهم نفسك أكثر.

من الطرق التي قد تساعدك في ترك هذه العادة أن تذكّر نفسك من وقتٍ لآخر بأهمية التخلّي، والأهم ذكّر نفسك بقيمتها حتى لا تسمح لنفسك بأن تتمسّك بجميع الأشياء بشكلٍ يؤذيك.

وأيضاً يمكنك الاستعانة بشخص تثق به ليساعدك في إيجاد الطرق، أو الجأ لبعض الكتب.

وعلى ذكر الكتب سأترك لك اقتباسات من -كتاب الراحة لمات هيغ-

ربما قد تُفيدك في رحلتك.


هناك أشياء نظل نُلاحقها فترة طويلة ظناّ منّا أنها ما زالت تُناسبنا، وهناك أحلام نتمسّك بها معتقدين أننا ما زلنا نتوق إليها، لكن حين نفكّر قليلاً سنكتشف أننا مُعتادون ليس إلّا، وهذا الاعتياد سبّب لنا ثقل نحمله معنا دائماً.. لذلك ضروري من فترة لأخرى أن تجلس مع نفسك وتراجع قراراتك وأحلامك وكل شيء حتى تتأكد أنك ما زلت في حاجته إلى الآن. تخلّى واترك أي شيء لم يعد يُناسبك وتخفّف قليلاً حتى تبدأ في وضع خطط وأحلام جديدة.


وتذكّر أنَّ كل شيء في الحياة سيسير حسب المُقدّر له (مما يعني أنك مهما بذلت جهد في التمسّك قد تفقد الشيء لأن هذا المُقدّر له) 

وبكل صراحة أحياناً كثرة التمسّك في الشيء تُفسده، وفي أحيانٍ أخرى قد تجعله يضيع منك.. لذا هوّن عليك واترك كل الأمور تجري لمجراها فكثرة القلق والتفكير لن تجعل الأشياء تبقى معك للأبد.


وبالطبع لن تكون الرحلة سهلة منذ اليوم الأول؛ وذلك لأنك اعتدت على فعل هذا لوقتٍ طويل، لذا خذ وقتك، سيكون الأمر صعب في البداية لكن حاول مجدداً في كل مرة مهما فشلت حتى يسقط عنك عبء التعلّق كلياً.

عزائي دائماً وأبداً أنَّ كل شيء بيدِ الله، فلن يضيع منّي ما هو مُقدّرٌ لي.. فليكُن عزاؤك أيضاً.


دعواتكم لوالدتي بالرحمة والمغفرة.

_lq998

Join