نسوية إسلامية (1): تابع قضية النوع في القرآن.. منظومة الزوجية بين قطبي الجندر والقوامة
هذه سلسلة حول النسويات الإسلاميات، أبدأها لتوفير محتوى حول النسوية الإسلامية في مواقع التواصل الاجتماع، بشكل مبسّط وفي المتناول.
ورغم أنني قد لا أتفق بالضرورة مع كل ما سأنقله، لكنني أنقل بأمانة وأترك الحكم للقارئ/ة.
بدأت مع ورقة الدكتورة أماني صالح بعنوان: “قضية النوع في القرآن .. منظومة الزوجية بين قطبي الجندر والقوامة”، لخصت الجزء الأول منها في تدوينة سابقة، والآن أكمل ما تبقى منها.
الشخصية القانونية للمرأة في المجتمع:
عند الخروج من دائرة العلاقة الزواجية إلى دائرة المواطنة أو العضوية في الهيئة الاجتماعية للدولة أو الأمة تبدو علاقة المساواة أكثر وضوحًا من خلال قاعدتين مهمتين لم يوليهما الفقه ما يستحقان من أهمية في تقرير قضايا النوع:
القاعدة الأولى تبرز من التسوية بين الزوجين/النوعين في العقوبات الجنائية (الزنا والسرقة) إذ تعني التسوية في المسئولية الجنائية تسوية في الشخصية القانونية.
القاعدة الثانية اكتمال واستقلال الذمة المالية للمرأة وأهليتها للتصرف وقد تجلى ذلك في إقرار حقوق المرأة في الإرث “للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا” -النساء، آية 7-، فلم تعتبر النساء من ناقصي الأهلية والسفهاء ممن يجب الحجر عليهم وعدم إيتائهم أموالهم أو عدم اعتبار تصرفاتهم “وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا” -النساء، آية 5-.
إلا أن النهج الفقهي اعتمد على القياس الشكلي وتعميم حالات خاصة مثل شهادة المرأة في الديون، فالنص الكريم بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين على الديون قد استنبط منه قاعدة قانونية بأن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، ثم عمم على كل الشهادات المتاحة للنساء. لكن قراءة هذه الآية وقاعدتها العامة المستبطنة قد تفيد مدلولاً آخر لحكمة التشريع ومن ثم للتعميمات المبنية عليه؛ فالآية تقر مبدأ التعدد في الشهادة المفضي إلى عدم التواطؤ أو إلى كشف التواطؤ والنسيان. وقد سوَّت الآية في تطبيق قاعدة التعدد هذه بين الرجال والنساء إذ نصت على شهادة رجلين عملاً بها فإن لم يتوفر هذا التعدد واستعين بنساء فيستعان بامرأتين عملاً بقاعدة التعدد وليس لأن قوة شهادة الرجل الواحد تساوي امرأتين، فالعدالة قاعدة عامة تشمل النساء والرجال وإلا ما قبلت روايات أمهات المؤمنين وسائر الراويات في الحديث وهو من الدين ذاته ومما أقر على سائر الأمة حلالها وحرامها.
المفهوم الثقافي والدور الاجتماعي للمرأة:
أنجز الشق الثقافي عبر مرحلتين:
المرحلة الأولى سلبية تنصرف إلى هدم الصورة الثقافية الدونية السائدة عن المرأة وتقويضها، حيث أدان القرآن النزعات الذكورية الفجة في تحقير النساء والنظر إليهن ككائن متدنٍ، “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ” -النحل، آية 58، 59-، كما ضرب مثلاً عمليًا على سقوط أفكار دونية المرأة بإشارته تعالى إلى قبوله نذر أم مريم لما في بطنها محرراً وهو يعلم أنها أنثى، بل تقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنا وأكرمها واصطفاها وطهرها وجعلها من الصديقين.
تصدى القرآن أيضًا لسوء استغلال السلطة الذكورية الناجمة عن اختلال توزيع القوة الاجتماعية بين النساء والرجال، فنهى نهيًا صريحًا عن الإكراه والقسر في الاستيلاء على الحقوق المادية للمرأة، مثل إكراههن على التخلي عن صدقاتهن وميراثهن، كما نهى عن الأشكال الأكثر فجاجة من ظاهرة الإكراه والتي تمس نفس المرأة وجسدها مثل توارث النساء “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا“ -النساء، آية 19-.
المرحلة الثانية الطرح الإيجابي لصورة المرأة وعلاقات النوع تحمل هذه الصورة الملامح التالية:
قاعدة التشارك والتعاون المتبادل في إطار ما يعرف بمفهوم (الولاية) “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” -التوبة، آية 71-.
وتشير الولاية هنا حسب المفسرين إلى معنى التناصر والتعاضد، وهو ما يعني بمفهومنا المعاصر المساندة والدعم المتبادل، ويلاحظ في الشرح القرآني للولاية أولاً أن هذه الولاية يقوم بها ويستقبلها كلا النوعين على نحو متبادل ومتساوٍ بلا تمييز أو استثناء. وتقوم الولاية على المسئولية المتبادلة بين النوعين كل تجاه الآخر وليس من طرف واحد إزاء الآخر وفق ما استقرت عليه قواعد المجتمعات والثقافة الذكورية في تاريخ المسلمين وغيرهم. كما يلاحظ أن محتوى الولاية ينصرف إلى كل من الدور الاجتماعي لكل منهما إزاء الآخر وإزاء المجتمع ممثلاً في الإصلاح الذي لم يقصره الله على جنس دون آخر "يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ". كما ينصرف إلى الدين وإرساء دعائمه ومقوماته "يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، وأخيراً يلاحظ أن الإطار المرجعي للولاية لا يحدده أي من النوعين بل هو إطار موضوعي مستقل وأسمى يتمثل في الدين وقواعده.
قاعدة التسوية في المسئولية الاجتماعية بين الإناث والذكور، ويتجلى ذلك واضحا في سورة النور التي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك المسئولية المشتركة والمتساوية للنوعين معًا في حماية أخلاقيات وروح الجماعة المؤمنة والدين، فكثر توجيه الخطاب للمؤمنين والمؤمنات جنبًا إلى جنب كما اتسم التوجيه بالتسوية في الأحكام والالتزامات الخاصة بحماية الحياة الاجتماعية.
لقد بلغ المفهوم الجديد للمرأة ودورها الاجتماعي الجديد في المنظور القرآني ذروته بتقرير بيعة النساء كإحدى البيعات التي أقرها القرآن بعد الفتح كبيعات تأسيسية للأمة في مرحلة
الظهور. وقد أورد القرآن محتوى هذا العهد أو العقد الاجتماعي/الديني الذي تضمن أربعة
عناصر جوهرية هي: الالتزام العقيدي، والالتزام بالقانون والشريعة، والالتزام الاجتماعي
بحماية الأسرة كأساس للمجتمع، ثم الالتزام السياسي والقبول الواعي بسلطة ولي الأمر “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” -الممتحنة، آية 12-.
القرآن والتشكل الاجتماعي لعلاقات النوع.."منظومة القوامة":
تنظر هذه الدراسة للعمليات الاجتماعية والتاريخية باعتبارها مسئولة عن تشكيل نمط العلاقات والسلطة (أو معادلة القوة) بين النوعين، وهي من ثمَّ مسئولة عن تشكيل تراث القهر في تلك العلاقة.
وفيما يقع النص القرآني يقع خارج نطاق التحليل التاريخي الاجتماعي، فإن فائدة التحليل هنا تكمن في توظيفه "حول النص"، أي في الإجابة على: كيف فُهم النص القرآني؟ وما الذي تم تأصيله وتقنينه منه وما لم يتم؟ وعلى أي نحو استُقبلت أحكام القرآن وكيف وظفت الأجيال التاريخية المختلفة أحكام القرآن ومبادئه لخدمة قضاياها وصراعاتها ؟ وكيف أثرت الثقافات التاريخية للمسلمين في فهم وتفسير النص وفي توجيه عمليات بناء النسق القانوني من خلال استنباط الأحكام (الفقه)؟
لقد أثرت تلك الظروف في التعامل الفقهي مع موضوع المرأة عامة، إلا أننا سنكتفي هنا بالإشارة إلى التفسيرات والأفكار والأحكام الدائرة حول نص واحد من آيات القرآن الكريم وهو نص
القوامة:
“الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”
-النساء، آية 34-
يفسر ابن كثير النص بقوله: "الرجال قوامون على النساء أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت بما فضل الله بعضهم على بعض أي لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقوله (ص): لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة (رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) وكذا منصب القضاء وغير ذلك وبما أنفقوا من أموالهم أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم في كتابه وسنة نبيه (ص)، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى وللرجال عليهن درجة".
بل إن جوهر هذه النظرة لآية القوامة يمتد ليمارس نفوذه وتأثيره على كافة التفسيرات المعاصرة (التي احتكرها تصنيفًا الرجال) حتى من دخل منهم في عداد المجددين وممثلي الفكر المستنير وعلى رأسهم الإمام محمد عبده؛ يقول الإمام محمد عبده: "المراد بالقيام هنا هو الرياسة التي يتصرف فيها المرؤس مقهوراً مسلوب الإرادة لا يعمل عملاً إلا ما يوجهه إليه رئيسه فإن كون الشخص قيّما على آخر هو عبارة عن إرشاده والمراقبة عليه في تنفيذه ما يرشده إليه أي ملاحظته في أعماله وتربيته، ومنها حفظ المنزل وعدم مفارقته ولو لنحو زيارة أولي القربى إلا في الأوقات والأحوال التي يأذن بها الرجل ويرضى … وقال والمراد بتفضيل بعضهم على بعض تفضيل الرجال على النساء، ولو قال (بما فضلهم عليهن) أو قال (بتفضيلهم عليهن) لكان أخصر وأظهر فيما قلنا إنه المراد وإنما الحكمة في هذا التعبير هي عين الحكمة في قوله "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ" وهي إفادة أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من بدن الشخص الواحد فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن …. قال وما به الفضل قسمان فطري وكسبي فالفطري هو أن مزاج الرجل أقوى وأكمل وأتم وأجمل، وإنكم لتجدون من الغرابة أن أقول إن الرجل أجمل من المرأة وإنما الجمال تابع لتمام الخلقة وكمالها … ويتبع ذلك الكمال في الأعمال الكسبية فالرجال أقدر على الكسب والاختراع والتصرف في الأمور".
قراءة بديلة:
إن الطرح التفسيري لنص القوامة كما سبق يتناقض مع منظور الزوجية* المستنبط من القرآن في أكثر من جانب؛ حيث يتعارض مع جوهر القاعدة العامة للتسوية “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ” المتأصلة في منظور الزوجية*. كما يتعارض بدوره مع البعد الوظيفي لاختلاف الأدوار الاجتماعية بين النساء والرجال اختلافًا يؤكد التكامل لا التفاضل، بل إن هذا القول الصريح بالتمييز والتفاضل.
من الثابت أن مصطلح "القوامة" (على صورة المصدراللغوي) لم يرد في القرآن بنصه "القوامة" على غرارمفاهيم أخرى وردت في الذكر نصًا وحرص القرآن على بيان مدلولاتها وعناصرها بدقة مثل مصطلحات الإيمان والتقوى والكفر والفسوق ..إلخ أما ما وجد في القرآن فهو أحد الاشتقاقات اللغوية من الفعل (يقوم على) وهو صيغة المبالغة "قوامون على" . وتبدو لفظة القوامة هنا بدرجة أكبر مفهومًا فقهيًا صكه الفقهاء للتعبير عن قراءتهم الخاصة لقضية النوع في القرآن مثلها كمثل مفاهيم أخرى فقهية صارت شرعية فيما بعد مثل الحاكمية، الإمامة ..إلخ**.
استخدم القرآن الكريم الفعل (يقوم) ليفيد معاني مختلفة تدل على: الوقوف والنهوض "يوم يقوم الروح والملائكة صفًا" “فلما أظلم عليهم قاموا" ، أو السعي وبذل المشقة والجهد "لما قام عبد الله يدعوه" أو العزم "وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذاً شططا". كما يفيد الرعاية "وإن تقوموا لليتامى بالقسط" وتعهد الشيء "ليقوم الناس بالقسط".. كذلك استخدم القرآن الكريم اسم الفاعل (قائم) للدلالة على: الواقف "قائم يصلي في المحراب" والمتعهد الراعي بلا توانٍ أو نكوص "شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة وأولو العلم قائما بالقسط" والملازم المثابر "إلا ما دمت عليه
قائما" والملازم المتابع لأحد "أمن هو قائم على كل نفس بما كسبت". ومؤدي الشيء على النحو المفترض "والذين هم بشهاداتهم قائمون".. وأخيراً فقد أورد القرآن في موضعين آخرين اللفظ في صيغة المبالغة (قوامين) دون حرف الجر (على) لبيان دوام الالتزام بالأمر "كونوا قوامين بالقسط"، "كونوا قوامين لله شهداء بالقسط".
من هذا التوضيح نجد أن لفظ (قوامون على) إنما يدور حول معان النهوض والسعي وبذل المشقة في سبيل أحد أو شيء والعزم والسهر عليه والرعاية وتعهد الشيء دون توان أو نكوص والمثابرة والبقاء وأداء الشيء على النحو المفترض ودوام الالتزام بالأمر.
وقد حدد القرآن على وجه الدقة مناط هذا السعي والمثابرة ومادة الرعاية والتعهد من الرجال إزاء النساء بأمرين: أولهما مادي وهو النفقة المادية والثاني معنوي وهو كل ما أوتي الرجال من جوانب التميز والفضيلة والنعمة التي يختلفون ويتفاوتون فيها على بعضهم البعض . “بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” حيث البعضية تعود على الرجال ويبدو استخدامها بين الرجال والنساء أمراً غير منطقي لا يستقيم معه المعنى فهذه العبارة الصغيرة الحجم - تنطوي على مدلول عظيم هو شمول واتساع مفهوم الإنفاق لتتجاوز الرعاية بالمال إلى الفضائل والكرائم على اختلاف أنواعها وصورها.
بهذا أكون انتهيت من تلخيص ورقة د. أماني صالح، ورابط الدراسة كاملة موجود في الهامش.
*مفهوم الزوجية كما يطرحه البيان القرآني يبدو مستقلاً عن الاستخدام الشائع لعلاقة الزواج ، إذ يستخدم في كثير من المواقع لوصف طبيعة العلاقة المجردة بين الجنسين بغض النظر عن الصلة الاجتماعية لمؤسسة الزواج.
**ويجدر التنويه بأن محاولة تفسير النص القرآني -خاصة النصوص المشكلة والمحملة بمضامين ثقافية وقيمية- من خلال التفسيرات اللغوية والمعجمية هي محاولة غير مجدية، ويعود ذلك إلى قضية تقنية مهمة هي صعوبة اللجوء إلى معاجم اللغة العربية كأداة محايدة في التفسير القرآني؛ فاللغة العربية المسجلة والمؤصلة في المعاجم وكتب النحاة تم تأسيسها وتقعيدها بعد نزول القرآن وفي إطار عمليات تيسير وفهم الذكر ومعانيه وعلى ذلك فإن اللغة العربية قد أسست على القرآن ودلالاته وما فهم من معانيه في إطار الثقافة السائدة.
رابط الدراسة: