الطبيب المتعاطف 

 د. بسمة رفيع


التقيتها صدفة في إحدى المرات وتبادلنا أطراف الحديث عنها وعني، حكت لي عن وفاة جدتها وكيف كان ذلك مؤلماً بطبيعة الحال ولكن ما لفت نظري في كلامها هو دور الطبيب الذي كان مشرفاً على الحالة.


 تقول جاء الطبيب الاستشاري إلى خالتي ليخبرها بالوضع الصحي لجدتي قائلاً: لقد توقف قلب والدتك مرتين، وتم إنعاشها وكطبيب أخبرك أن تكرار المحاولة مؤلم لها، أكثر من نصف ساعة شرح الطبيب لها الحالة ومهد لها الخبر، هيأ لها أمر الوفاة وترك لها الخيار، أخبرتني هي ذلك باتصال، لقد بدا أخيراً أنها وصلت لقناعة أن ليس هناك ما يُمكن عمله سوى التسليم والرضا، ثم بعد ذلك جاءتها مسؤولة الخدمة الاجتماعية هل أخبرك الطبيب بالأمر؟ وبتعاطف واضح شاركتها بعض التوجيهات عن اللحظات الأخيرة.

لقد كانت قبل ذلك ساخطة ترغب في تصعيد الأمر وتقديم شكوى، ولكن زيارة الطبيب وشرح الحالة والإجابة على جميع الأسئلة ودور المرشدة الاجتماعية خفف الأمر، وانتقل بها من الصدمة للتسليم. 

 إن دورنا كأطباء يتعدى الدور الطبي والعلاجي، إلى التعاطف والتفهم، يحتاج منا المرضى وأهاليهم إلى الاستماع لمخاوف كثيرة داخلهم، إلى إبلاغهم بعض الحقائق المؤلمة برفق، أن نشرح لهم ببساطة ما الذي تم عمله من إجراءات لإنقاذ محبوبهم، تلك الدقائق البسيطة التي نمنحهم إياها كفيلة بتخفيف حدة الصدمة.

 لنتذكر أن لدينا الكثير من الشكاوى في اللجان الطبية الشرعية، ليست جميعها أخطاء وإهمالاً طبياً متعمداً، بعضها سوء فهم وبعضها طريقة الطاقم الطبي في تعاطيه مع العائلة.


التعاضد والتعاطف، الاستماع والتفهم، الدعم والمساندة، التحفيز وإبقاء شُعلة الأمل متوقدة في نفوس المرضى هو ما يجعل من الأطباء ملائكة الرحمة وأيقونة الأمان، يحتاج منا المرضى وأهاليهم لنربت برفق على أرواحهم المنهكة بالوجع والمرض وألم الفقد، فتعافي الروح جزء مهم من تعافي الجسد، وأجمل ما يبقى للطبيب في رحلته العملية التي قد تكون قاسية ومرهقة هي تلك الكلمات والدعوات اللطيفة التي يختتم بها يوماً حافلاً بالعمل.

Join