أزمة إعادة التدوير
أحمد، شخص حريص على البيئة. يهتم ويحرص جدًا على انتقاء منتجاته من مصادر صديقةٍ لها. يتأكد من أن المزرعة التي تُتنج التمر الذي يُحب لا تستخدم أي مواد كميائية من شأنها إفساد الأرض الزراعية حتى يزيد المزارع من محصوله. أحمد لا يكتفي بذلك فحسب، بل جميع ما يلبس من أحذية وثياب تأتي موادها الأساسية من مصادرٍ أخلاقية وطبيعية تمامًا. حتى يهتم إلى الأيدي العاملة التي حاكت ثيابه بأنها أخذت حقها الكافي من المال ولا تخضع تحت جشع التجّار واستغلالهم. أحمد شخص فعلًا يحرص على سلامة وصحة الكوكب. لذلك، بطبيعة الحال، يُصنف أحمد النفايت التي يُخلفها إلى أربعة أقسام، قسم للزجاج وآخر للمنتجات الورقية، وسلة تختص بجمع المنتجات البلاستيكية، وأخرى للمواد العضوية. ومع كل مَطلع شهر يقوم أحمد برحلته المعتادة إلى أحد مراكز إعادة التدوير في مدينته حتى يُسلمّ محصول هذا الشهر من المنتاجت البلاستيكية التي خلفّها إلى المركز. أحمد يقوم بواجبه على أكمل وجه عندما يتعلق الأمر بكوكبه الذي يُحب. إلّا أن من يقفل خلف عملية إعادة التدوير لا يقدرون حرص أحمد ومحبته للأرض.
البداية
إبّان الحربين العالمية الأولى والثانية، تمت إعادة التدوير ولأول مرة في الثورة الصناعية على المعادن حتى تُستخدم في صناعة الأسلحة والمركبات. كما تم إعادة استخدام الأوراق لغرض حفظ الأشجار عند الشحن. عدا ذلك، كان مصير النفايات المتبقية إلى المحارق أو مكبات النفايات التي من شأنها بثّ السموم إلى المياه وتلويثها. في ذلك شرّعت الولايات المتحدة قانونين تشريعيين في بداية السبعينات وسمتهما: قانون الجوّ النظيف وقانون الماء النظيف. هذين القانوين حثّا على التخلص من النفايات بطُرق لا تمس البيئة بسوء. لذلك، وجدت برامج تساعد المجتعمات الأمريكية على فرز النفايات بطرق من شأنها تصنيف هذه النفايات إلى مواد من الممكن الإنتفاع منها بطريقة أو بأخرى; إعادة التدوير.
في بداية التسعينات الميلادية، بدأت عمليات المتاجرة بهذه النفايات البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير بين الولايات المتحدة والصين. شملت هذه المواد النسيج وألعاب الأطفال. الشركات المُصنعة في الصين كانت مُتعطشة لهذه المواد لتصنع منها منتجات جديدة للجدوى الإقتصادي الذي تُقدمه هذه النفايات. كما رأت مراكز جمع النفايات البلاستيكية هذه الجدوى الإقتصادية كذلك في الولايات المتحدة. وتبعتها عدد من دول الإتحاد الأوروبي لاحقًا في نفس العقد.
الأزمة
ليس كل ما يُرمى في السلة الزرقاء يُعاد تدويره
هنالك في العالم مليون ومليون أحمد آخر يحرصون على عملية إعادة التدوير. الإهتمام لأهمية عملية إعادة التدوير تنبع من حرص الشعوب نفسها قبل المؤسسات والحكومات. حيث يُشجع ٩٤٪ من المجتمع الأمريكي بكافة أطيافه وأديانه وتوجهاته السياسية إلى أهمية إعادة التدوير و٧٥٪ منهم يراها مهمة وطنية خالصة. هذا مثال آخر لنا بأن التغيير الحقيقي يأتي من الشعوب دائمًا. تحدثنا في تدوينة سابقة (طائر النورس)، عن المشكلة الأساسية النابعة من استخدام المنتاجت البلاستيكية وإحصائيات عن المُعاد تدويرهُ منها، ونحن هنا سنستكمل هذا الحديث لنتاول بعض المشاكل التي تمنع وتعيق من عملية إعادة التدوير.
إدارة النفيات البلاستيكية بحاجة إلى عمليات إصلاح شاملة. المؤسف بأن هذا الحرص النابع من المشاعر الصادقة التي تكنها الشعوب للكوكب لا يستغل جيدًا. حيث تصل نسبة سوء إدارة النفايات البلاستيكية في العالم إلى ٦٠٪. وهنا تكمن إحدى المشاكل الأساسية التي تعوّق من هذه القضية. سوء الإدارة للنفايات تقلل من نسبة النفايات التي يُرجى إعادة تدويها; لا تستطيع إدارة ما لا تستطيع قياسة. هذا الأزمة في عدم القدرة على إدارة النفايات لا تعرض البيئة وحسب إلى الخطر، بل حتى الإنسان نفسه. النفايات البلاستيكية تسبب في مقتل شخص واحد على الأقل في كل ثلاثين ثانية. تعاملنا مع النفايات البلاستيكية يحدد عوامل كثير من أهمها تكلفة إعادة تدوريها.
عملية إعادة التدوير عملية مٌكلفة. في ٢٠١٨ توقفت الصين عن استيراد المواد البلاسيتيكة مما كلف دول ومؤسسات كثيرة حول العالم إلى التخلص من هذه المواد إلى مكبات النفايات في الأرض والبحر. قرى صينية غارقة في وحول من نفايات بلاستيكية ضلت طريقها إلى المصانع حتى يتم استخدامها مجددًا. وللصين أسبابها بطبيعة الحال، حيث الكثير من المنتجات التي يتم استيرادها لم تكن ذات قيمة حقيقية وفي حالات كثير كانت مصحوبة بمواد خطيرة مثل الزئبق والرصاص. هذا الأمر أدى إلى غياب الجدوى الإقتصادية المعوّل عليها كثيرًا من تجارة إعادة التدوير. لقرار الصين أثر بالغ وصل مداه إلى كافة بقاع الأرض بحكم كونها الدولة الرائدة في استيراد النفايات البلاستيكية. مما أدّى إلى ارتفاع من تكلفة عملية التدوير. ومما دعى إلى العديد مراكز إعادة التدوير في عددٍ من الولايات الأمريكية إلى الحد من أنواع المواد التي يتم استقابلها. وهنالك إحتمال جيد بأن المنتجات التي قُمت بتسليمها إلى مراكز إعادة التدوير وجدت سبيلها إلى مكبات النفايات.
دول مثل الهند وتايوان حاولت استغلال قرار الصين ورفع سقف النفايات البلاستيكية المستوردة، إلّا أن هذا السقف مازال منخفض ولا يصل إلى ماكانت تستورده الصين. بينما عانت دول مثل ماليزيا وأندونوسيا ماعنته الصين من المواد الخطيرة المصاحبة لهذه النفايات، مما جعلها إلى فرض قوانين تحد من استيراد النفايات البلاستيكية.
(المصدر)
عملية إعادة التدوير عملية مؤقتة. لكثير من المواد القابلة لإعادة التدوير حدّ معين مرتبط إما بعدد المرات التي تمت إعادة التدوير فيها أو بمدة زمنية تجعل المنتج غير صالح لإعادة التدوير. هنا تكمن المشكلة العظمى في هذه العملية. حيث أنها مجرد وسيلة إلى إطالة عمر المنتج حتى يٌتخلص منه بدلًا من أن تكون حلّ تقضي من المشكلة نفسها.
الحلّ
لستُ هنا حتى أثبط من عزيمتك بل حتى تكون على علم وإطلاع لما يجري في هذه القضية. وبالرغم من هذه الأزمة العالمية، واصل مهمتك النبيلة في إعادة التدوير. نعم، بالرغم من ما طُرح في هذه التدوينة يدعو للإمتناع من ذلك، إلا أن عملية إعادة التدوير في تطور مستمر. من طُرق جمع المواد وفرزها إلى التقينات التي تستخدم في فصل مواد المنتجات عن بعضها البعض حتى تصبح مواد خام في تطورٍ دائمًا ومستمر. كما أن اختيارك لعزل النفايات البلاستيكية عن غيرها من النفايات، حتى وان لم يتم اعادة تدويرها، يساهم إلى عدم اختلاط المواد الخطرة المصاحبة وعدم تفاعلها مع مواد أخرى قد تكون موجودة في مكبات النفايات.
بينما يبقى الحل الفعّال دائمًا هو امتناعك تمامًا عن استخدام المواد البلاستيكية، خوصاصًا المنتجات التي تستخدم لمرة واحدة فقط وتُرمى.
أنا طلال ناصر،مُهندس برمجيات أهتم بالبيئة وعلوم الإنسان والإجتماع، اصدقائي المفضلين لي لديهم أربعة أرجل. أحب الكتابة ولي محاولات متواضعة معها. هنا هي المساحة التي سأنشر فيها تلك المحاولات المتواضعة.
أسعد بالتواصل معك عن طريق البريد الإلكتوني: talal.nks@gmail.com لكل ما يتعلق بالبيئة أو هندسة البرمجيات.
* المصادر مرفقة بالنصوص المُرتبطة المميزة باللون الأزرق.