خطوة إضافية.. لإنقاذ الكوكب
قمنا، بالتدوينة السابقة، باستعراض ثلاث خطوات لا تتطلب إلى أيّ تجهيز وتحضير مسبقين حتى تستطيع التقليل من بصمتك الكربونية. في هذه التدونية سنستكمل معًا هذه السلسلة من خطوات محاربة ظاهرة تغير المناخ بإضافة خطوة اضافية لتستكمل أنت مسيرة دفاعك عن الكرة الأرضية. لكن أولًا، دعونا نستعرض آخر وأهم مستجدات التطورات البيئية للأسبوع المنصرم.
أمطار غزيرة تهطل على جنوب شرق أُستراليا
مازالت الكارثة مُستمرة بالرغم من هطول أمطارٍ غزيرة طيلة الأيام الماضية. التقلبات في الأجواء ليست إلا نذير على تفاقم الكارثة. للمزيد
المحيطات تغلي وتصل إلى أرقام غير مسبوقة في معدل ارتفاع درجة حرارتها
المحيطات هي أوضح السبل عند محاولة قياس مدى خطورة تأثيرات التغير المناخي. حيث أنها تمتص أكثر من ٩٠٪ من الناتج عن الغازات الدفئية. وصلت في ٢٠١٩ إلى أقصى درجات الدفئ وأكبر تغير حدث خلال سنة واحدة. للمزيد
عُلماء يبتكرون طوب بناء من مواد مُعاد تدويرها وقليلة الإنبعاثات
عُلماء من جامعة Heriot Watt الاسكتلندية توصلوا إلى أول طوب بناء ٩٠٪ من مواده مُعاد تدوريها. هذا الطوب يستهلك لإنتاجه عُشر الطاقة التي يتطلبها مثيلهُ من طوب البناء التقليدي. للمزيد
تَغذى على ما اخضر لونهُ
أو بعبارة أخرى، اتبع النظام النباتي. النظام الغذائي النباتي الصرف أثبت فعاليته وكفائته وفي ذلك أُشبعت فيه الدراسات والأبحاث. في كتابه Animal (De)liberation يتحدث المتخصص في مجال أخلاقيات علم الأحياء الباحث جون ديكرز بصورة حيادية عن النظام الغذائي النباتي. يوضح فيه، من خلال دراسات أخرى، أن الإنسان البالغ الذي يتبع النظام الغذائي النباتي يكون أقل عرضه من آكلي اللحوم للإصابه بأمراض مثل السرطان والقلب والسكر والسمنة وغيرها من مُعضلات القرن الحادي والعشرين. عمومًا، لسنا بصدد ذكر الفوائد الصحية للنظام النباتي، حيث سيكون لها متسعًا من الطرح في وقتٍ لاحق. وانما سيتركزّ حديثنا هنا عن البصمة الكربونية النتاجة من أكل اللحوم.
التحول إلى النظام الغذائي النباتي هو أكبر تضحية تستطيع تقديمها في حربك ضد التغير المناخي. لما في الإمتناع عن اللحوم من فوائد بيئية تنعكس مباشرة على الحيوانات والأرض. حيث تقتضي عملية انتاج كيلو جرام واحد فقط من لحم البقر إلى انبعاث ٢٧ كيلو جرام من الكربون. كما يتطلب ٦.٩ كيلو جرام من الكربون لكل كيلو جرام من الدجاج. على النقيض تمامًا، عند استهلاكك لبدائل نباتية من البروتين مثل التوفو، فأنت فقط تُكلف الأرض كيلو جرامين من الكربون. بينما العدس يتطلب ما دون الكيلو الجرام الواحد (٠.٩ جرام) من الكربون.
It’s not the COW, it’s the HOW
مقولة شائعة
المشكلة ليست في البقر أو الماشية تحديدًا. المشكلة تكمن في عملية تصنيع منتجات المواشي نفسها كاللحم والبيض والحليب ومشتقاته حيث ٩٠٪ من الكربون الصادر عن الكيلو الجرام الواحد من لحم البقر يصدر أثناء عملية التصنيع. في عصرنا الحالي، الحصول على اللحم، من أغلب مصادره، أسهل وأيسر من أي وقت مضى. حيث لم يعد اللحم حكرًا على طبقات اجتماعية معينة كما كان الأمر في السابق. هذا الأمر يدفع التجار إلى توفير اللحوم بكميات تتوافق وتزيد في أغلب الأحيان عن حاجة السوق تلبيةً لقانون العرض والطلب الاقتصادي. هذا ما يتيح المجال للعديد من الانتهاكات البيئية حتى يروي المورد عطش المتهافتين على أكل اللحم ويسد التاجر رمق محفظته بأكثر الطرق كفاءةً لجيبه مهما كلف الأمر. الأمر لا يتوقف عند عملية التصنيع وحدها. بل لهذه العملية أثار جانبية عديدة واستهلاك لموارد طبيعية الكوكب بأمس الحاجة لها.
٥.٦ مليون فدّان من الأرض في البرازيل وحدها تُستخدم فقط لزراعة حبوب الصويا لتكون غذاء للماشية في أوروبا. تخيّل أن هذه المساحة الشاسعة تم جزّها ومحي جميع الأشجار فيها حتى تُصبح فقط مصدر لإنتاج غذاء الحيوانات في مصانع انتاج اللحوم. هذه المساحة هي أضخم من المساحة التي أضرمت فيها النيران في غابات الأمازون المطرية (٤.٦ مليون فدّان).
بالإضافة إلى أن تربية الماشية بالطريقة الصناعية، وانتاج منتجاتها مثل اللحم والبيض والحليب وغيرها يُنتج ما إجمالهُ ١٤.٥٪ من جميع الغازات الدفيئة التي تُنتج بسبب تدخل الإنسان بشكل مباشر. كما أنها تستهلك مساحة تصل إلى ٧٠٪ من مجمل المساحة الصالحة للزراعة في العالم. هذه المساحة كفيلة بأن تُرجح كفتنا في حربنا مع التغير المناخي وتساهم باعتدال درجات الحرارة في أماكن عديدة من الكوكب مثل غابات الأمازون لتقلل — أو حتى تنمع — من اندلاع الحرائق.
عند تحولك إلى النظام النباتي فأنت بذلك تقلل من بصمتك الكربونية بمقدار ١.٦ طنّ متري من الكربون سنويًا. التحول إلى هذا النظام بالطبع ليس بالأمر السهل ويتطلب إلى عزيمة واصرارٍ ووعيّ، عدا أنها مهمة تُحتمها علينا واجباتنا البيئية تجاه الكوكب الذي يأوينا جميعًا ولا مأوى لنا غيره. على الرغم من أنك لن تواجه مشاكل وصعوبات عند تحولك إلى هذا النظام، إلا أنني أنصح باستشارة أخصائي غذائي قبل اقدامك على هذه الخطوة.
لم تعتد حياتنا البسيطة سابقًا على استهلاك هذا الكم الهائل من اللحوم مطلقًا. كما هو الحال لأجسادنا والكوكب الذي نعيش فيه. كان اللحم حتى العقود القريبة الماضية ترفًا لا يؤكل إلا عند المناسبات والأعياد والأفراح. ما يحدث اليوم من استهلاكٍ مفرط للحوم لم يُنتج لنا إلا تفشي أمراض القلب والسرطان والسكر في مجتمعنا. المجتمع الذي كان أفرادهُ يجوبون الصحراء بأكلمها على أقدامهم العارية. هذا النمط من الإستهلاك ولدّ أمراض لم يعتد عليها اجدادنا. وآفات لم تعتد عليها كوكبنا. هذا الكوكب بحاجتك لتقديم مثل هذه التضحيات لتنعم أنت أولًا بصحة جيدة ويتحقق التوازن البيئي الغائب. تذكرّ:
الكوكب مازال يشتعل، وأنت الشخص الوحيد القادر على انقاذه!
أنا طلال ناصر،مُهندس برمجيات أهتم بالبيئة وعلوم الإنسان والإجتماع، اصدقائي المفضلين لي لديهم أربعة أرجل. أحب الكتابة ولي محاولات متواضعة معها. هنا هي المساحة التي سأنشر فيها تلك المحاولات المتواضعة.
أسعد بالتواصل معك عن طريق البريد الإلكتوني: talal.nks@gmail.com لكل ما يتعلق بالبيئة أو هندسة البرمجيات.
* المصادر مرفقة بالنصوص المُرتبطة المميزة باللون الأزرق.